الجمعة، 9 أكتوبر 2009

الفصل الثانى : نقد المحتوى أولآ : مدخل التعـــرف على المحتـــوى








الفصل الثانى 
نقد المحتوى
أولآ : مدخل التعرف على المحتوى  

التوراة هى عبارة عن أسفار موسى الخمس وكما أشرنا أنه كان هناك إخـــتلاف بين النقاد حول ما إذا كانت التوراة فى الأصل خمسه كتب أى "بنتاتوخ*١٣ " ، أوأربعة كتب أى "تتراتوخ*١٤" بعدم إدخال السفر الخامس فى مجموعة التوراة أو سته بإضافة سفر يشوع إلى الخمس لتــكون  "هكساتوخ*١٥"وإعتبار يشوع له فضل فى تحريرها ، وهذا الجدل سنـــــأتى إليه عند الحديث عن نقد قضية الكاتب .
و تكمن أهمية محتويات التوراة بسبب حجمها فالتوراة تُشَكِلُ حوالى ٢٥ % من مجمــــــل مساحة العهد القديم ، وحوالى  ١٩ % من مجمل مساحة الكتاب المقدس بعهديه .
فبالإضافة لزمان كتابتها المبكر ، ومساحتها ، ومحتوياتها  نستطيع أن نتبين أهميــــــــــتها الكبيرة والعظيمة ، بوصفها المفتاح الرئيسى الذى يجعلنا نستطيع أن نفهم كافة المعلنات الإلـــهية المدونة فى الكتاب المقدس كله ، لذلك نعتبرها المقدمة الحقيقية للكتاب المقدس ، فهى المقـدمة التى إعتمد عليها كل كتبة الوحى فى كتاباتهم لسائر أسفار الكتاب المقدس .
ومع أن تاريخ النقد للتوراة يسجل زمانآ مبكرآ جدآ يعود لعصر ما بعد السبى الــــــبابلى إلا أنَّ أشد فترات النقد ضراوة كانت عند بزوغ عصر النهضة الأوربية وظهور حركات الإصلاح وأغلب سهام النقاد كانت موجهة لكاتب هذه المجموعة المسماة بالتوراة ، ولكن التقليد المبنى على الكتاب المقدس نفسه يوضح أن موسى هو الكاتب الحقيقى للتوراة .
هذا كله وغيره سنتعرض له عند حديثنا عن نقد كاتب التوراة .
أما بخصوص محتوى التوراة ، فإنه من الوارد أن تكون هناك عمليات تنقيح محدودة كانت تحــدث كلما تقادم العهد - وكانت تتم فى أضيق الحدود - بسبب ما تميز به هذا الشعب من الحَرفية المبــالغ فيها ، فكانت عبارة عن مجرد تحديث لأسماء مدن وأماكن تغير اسمها مع مر الزمان ، أو تفــــسير لمعنى كلمة من كلمات اللغة الأقدم من اللغة التى يستخدمها العبرانيون  فى عصر الكاتب الذى يقوم بتنقيح الكلمة  ، وهو شبيه بما يحدث فى العصر الحالى عند إعادة ترجــــــــمة الكتاب المقدس للغة الأحدث حتى يظل مفهومآ للقارىء المعاصر  ، وكافة النظريات التى إفترضـــــت تناقلها شفهيآ عن موسى ثم تمت كتابتها بعد ذلك ، صارت مجرد تاريخ يدرسه من يرغب فى مــطالعته ، دون أن يجد أثناء ذلك ما يجعل لديه مجرد شك فى إمكانية صدق تلك النظريات التى بدأت بفروض وانتهت بأدلة ملموسة تثبت زيف تلك الفروض.
والتوراة يمكن أن نقسمها بحسب المواضيع إلى ثلاثة أقسام هى :
١- مرحلة الحديث عن البدايات وهى من الأصحاح الأول حتى الحادى عشر من سفر التكوين. 
٢- مرحلة الحديث عن الآباء البطاركة(أى السابقين على الشريعة الموســــوية المكتوبة) وهى من الأصحاح الثانى عشر حتى الأصحاح العشرين من سفر التكوين .
٣- مرحلة تأسيس إسرائيل من بداية سفر الخروج حتى نهاية سفر التثنية أى تشمل أسفارالخروج واللاويين والعدد والتثنية .
وبالرغم من محاولات البعض لتتبع التواريخ المدونة لتقدير الزمان بالضبط ، الذى يبدأ ســــــــــفر التكوين بالحديث عنه، فحسبه البعض بأربعة ألآف سنة وأربع قبل ميلاد المسيح ، إلا أننا نــرى أن التقاويم لم تكن محدده على مثال التقاويم المتعددة والمتباينة المعروفة اليوم ، فنحن الآن نعرف أن التقويم الصينى الذى يطلق عليه إسم تقويم التنين العام فيه يعادل١٢ عام من التقويم الميــــــلادى تكون كل ثلاثة أعوام بمثابة سنوات فصلية فهناك سنوات شتوية يكون شتاءها شديد الــــــــبرودة وصيفها حرارته ألطف ‘لى حد ما ، وسنوات صيفية شتائها دافىء نوعآ وصيفها أشد حرارة إلخ ، وهناك تقاويم شمسية وأخرى قمرية كالتقويم الهجرى الذى فيه تكون كل ٣٣  سنة ميلادية مـعادلة لحوالى ٣٤ سنة هجرية تقريبآ ....إلخ ، وكذلك تقاويم قمرية معدلة لتعادل التقاويم الشمسية كالتقويم القبطى الفرعونى فتضاف عدة أيام كشهر صغير ثالث عشر يحتوى على عدد الأيام الباقية لتكميل العــــــام القمرى حتى تعادل السنة 365 يوم وربع  إلخ ، وفى نفس الوقت فإن الزمان قد بدأ فلكيآ فى اليوم الرابع للخليقة مما يجعل تعبير يوم واحد تشير لقياس خاص يُعبِّرُ بِهِ الله عن مرحلة ما ، ُيَّعِرِفُ هو زمنها ويُقَّدِّرُهُ بيوم واحد ، وليس من الضرورى أن يكون كأيامنا فى طوله أو قصره ، فتــــــــــــلك الأحداث إذآ كانت قد حدثت فى مرحلة ما قبل التاريخ  .
والأصحاح الأول من سفر التكوين هو أصحاح الخليقة.
ويستمر الحديث فى القسم الأول ليبين حالة تلك الخليقة حتى أحداث الطوفان وتَـــــــــــــــفرُّق الأمم والأجناس والشعوب حتى الأصحاح الحادى عشر . 
ثم يبدأ فى القسم الثانى حديثه عن الآباء البطاركة فيقدم لنا أربعة أجيال ناجحة تصدرت تاريخ نشأة شعب الله حتى الأصحاح الخمسون حيث تحدث عن إبراهيم فاسحق ثم يعقوب ومن بعده كانـــــــــت الأسباط .
أما القسم الثالث وهو القسم الذى يتحدث عن تاريخ تأسيس بنى إسرائيل فهو ينقسم إلى
أ- القسم التاريخى
وهو القسم الذى يبدأ من سفر الخروج الأصحاح الأول حتى الأصحاح التاســـــع عشر ، ثم فى سفر العدد من الأصحاح العاشر حتى الأصحاح الخامس والعشرين ، ثم فى سفر التـــــثنية من الأصحاح الحادى والثلاثين حتى الأصحاح الرابع والثلاثين.
وفى هذا القسم يتحدث عن قصة خروج بنى إسرائيل من مصر والتيه فى بريــــة سيناء(سين) لمدة أربعين سنة حتى وصلوا إلى مشارف موآب .
ب- القسم الدينى :
وهو يحتوى على  التعاليم الدينية التى نجدها فى سفر الخروج من الأصـــــــــــــحاح العشرين حتى الأربعين ثم فى سفر اللاويين من الأصحاح الأول حتى الأصحاح السابع والعشريــــــــن  ثم فى سفر العدد من الآصحاح الأول حتى الأصحاح العاشر وثم الأصحاح السادس والعشرين حتــــى الأصحاح السادس والثلاثين  وأخيرآ فى سفر التثنية من الأصحاح الأول حتى الأصحاح الثلاثين .
فعقب عبور شعب بنى إسرائيل من أرض مصر للبحر الأحمر ( بحر سوف) عسكر بنو إسرائيل فى برية سين ( سيناء ) حوالى سنة من الزمان ، فى أثنائها تلقى موسى الوحى بخصوص المـــــــواد المذكورة فى سفر الخروج الأصحاح العشرين حتى سفر العدد الأصحاح العاشر  ، ولكن بعد مــرور
نحو ثمانية وثلاثين سنة من ذلك العبور ، أعطى الله موسى تعاليمآ أكثر عمقآ وفى أثناءها عســـكر
بنو إسرائيل فى عربات موآب ( بادية أو صحراء موآب) ، وتعبر عن هذه الفترة التعاليم الــــواردة فى سفر العدد من الأصحاح السادس والعشرين حتى سفر التثنية الأصحاح الثلاثين.
  ملخص المحتوى لأسفار التوراة الخمس:
 أولآ : سفر التكوين:
سفر التكوين اسمه بالعبرانــية"*١٦ براشيت" أى فى البدء وقد إعتاد العبرانيـــــون إطلاق الكلمة الأولى فى السفر كإسم له ، لذلك فاسمه لديهم هو " فى البدء" وليس اســـــــمه "التكوين" ، كما إعتدنا نحن فهى تسمية تعبر عن كل محـــــــــتواه - بحسب وجهة نظر مترجموا الترجمة السبعينية أى يهود الإسكندرية ، ومنه إعتادت الكنيسة هذه التسمية.
وفى الترجمة السبعينية تم ترجمة العهد القديم كلــــــــــــه للغة اليونانية فتغير اسم التوراة وصارت البنتاتوخ أى الخمسة الأسفار ، كما تغير الإسم تبعآ للترجــــمة فصارإسم سفر التكوين فى الترجمة السبعينية هو
"*١٧ 
ﭼينيسيس" وقد إنتقل هذا الإسم حرفيآ للغــــــــــــــــة الإنجليزية فأُطلق عليه "*١٨ ﭼينيسيس "ومعنى الكلمة فى اليونانية هو "الأصل" أو البداية .
ثم يبدأ كتاب التكوين بسرد قصة خلق العالم إلا أنه يركز على خليقة الجنس البشرى فيــــــــــذكرها بتفصيل أكثر ، ثم ينفرد بالإهتمام بنسل سام بن نوح ثم ينتقل بتفصيله من نسل سام حتى إبراهـــيم حيث ينتقل إليه التفصيل  حتى يصل لبنى إسرائيل فى مصر .

 فالتكوين إذا ككتاب يركز على فكرة كلمة " المواليد*١٩" أو " الأنسال"  وبالعبرانية تُولِدَت وهو ينقسم  بحديثه عن المواليد إلى :
١- ميلاد السماء والأرض من الأصحاح الثانى حتى الرابع.
٢- مواليد آدم الأصحاح الخامس .
٣- مواليد نوح من الأصحاح السادس حتى التاسع.
٤- مواليد أبناء نوح الأصحاح العاشر .
٥- مواليد سام الأصحاح الحادى عشر وعند العدد العاشر.
٦- مواليد تارح (والد إبراهيم) الأصحاح الحادى عشر حتى السابع والعشرون.
٧- مواليد إسماعيل الأصحاح الخامس والعشرون وعند العدد إثنا عشر.
٨- مواليد إسحق الأصحاح الخامس والعشرون وعند العدد التاسع عشر.
٩- مواليد عيسو الأصحاح السادس والثلاثون عند العدد الأول.
١٠- مواليد يعقوب الأصحاح السابع والثلاثون عند العدد الأول.

 

كما ينقسم من حيث أهداف كتابته إلى:

١- الكون والأرض والإنسان الأصحاح الأول العدد الأول حتى الأصحاح الثانى العدد الخــــــــــامس والعشرون
٢- سقوط الإنسان ونتائجه الأصحاح الثالث العدد الأول حتى الأصـــــــــــحاح الخامس العدد الثانى والثلاثون.
٣- عائلة نوح المستثناة من الدينونة الأصحاح السادس العدد الأول حتـــــى الأصحاح التاسع العدد التاسع والعشرون.
٤- إنتشار الـــــــجنس البشرى من الأصحاح العاشر العدد الأول حتى الأصحاح الحادى عشر العدد الثانى والثلاثون .
٥- حياة إبراهيم الأصـحاح الثانى عشر العدد الأول حتى الأصحاح الخامس والعشرون العدد الثامن عشر.
٦- عـــــــــــــــائلة إسحق الأصحاح الخامس والعشرون العدد التاسع عشر حتى الأصحاح السادس والعشرون والعدد الخامس والثلاثون.
٧- يعقوب وأولاده الأصحاح السابع والــعشرون العدد الأول حتى الأصحاح السابع والثلاثون العدد الأول .
٨- حيـــــاة يوسف الأصحاح السابع والثلاثون العدد الثانى حتى الأصحاح الخمسون العدد السادس والعشرون.
ولسوف نطـــــالع فى الفصل الرابع من هذه الدراسة أقوال ذلك الإتجاه الذى رد عليه العلم والتاريخ

الذى يلخصه العلماء اليوم بإسم "إتجاه جراف - ولهاوزن*٢٠ " ، ولـــكن لأن نقده لم يتعرض فقط
 لكاتب التوراة أو زمن كتابتها ، بل تعرض كذلك لمحتواها ، فنحن نورد مــــــــلخص محتوى نقدها
لسفر التكوين الذى نحن الآن بصدده حيث نلخص أفكارهم كما يلى:-  .
يقولون أن قصص الآباء المذكورة فى سفر التكوين ما هى إلا نوع من أنواع الأساطــــــــــــــــــــير الدينية *٢١  تلك الأساطير مستقاة من أصول فابتدعوا ألقابآ لتلك الأصول التى تصوروا وجودهــــا بإستخدام رموز لها من الحروف الأبجدية للغة الإنجليزية مثل جيه وإى *٢٢   إلى آخر هــــــــــــذه الأسماء التى إبتدعوها.
لكن الدراسات الأثرية كما سنعرف ، كيف أنها أثبتت أن هذه القصص حقـــيقية ، فربما كانت غرابة نمط الحياة الذى عكسته هذه القصص غير مُتَخَيل فى ذهن هؤلاء ، ولكن أثـــبتت الدراسات الأثرية أنه كان إنعكاسآ حقيقيآ لصورة الحياة الطبيعية الواقعية فى حضارة شعوب الــــــــــشرق فى الفترة الواقعة بين النصف الأول من الألف الثانى قبل الميلاد أى بين حوالى عام ٢٠٠٠ ق. م و ١٥٠٠ ق. م.
وبالرغــم من أنّ هؤلاء أنكروا على سفر التكوين واقعية قصصه وصدقها التاريخى ، إلا أنَّهم كانوا 
يقرون بمنفعتها وقيمتها الدينية .
والظاهر أن ثقافتهم الغربية التى أغرقت فى تعليم النشء الأساطير الدينية اليونانية واللاتينية ذات المغزى الأخلاقى والتى إبتدعتها قريحة اليونانيون واللاتين القدماء أمثال "هومـــــــيروس *٢٣"  و"ﭭيرﭼيل" و"سوفوكليس" وغيرهم ، كان لها نصـــــــــــيب بالغ فى شحذ تصوراتهم بخصوص الكتابات المقدسة فى التوراة لتكون على نفس هذا النمط من تـــــــــــفكير الفلاسفة اليونان الأولين.
وفوق كل رد ، وأسمى من كل إعتبارفإن أقوال المسيح الذى هو كلمـــة الله تثبت بشكل قاطع صدق
حقيقة هذه القصص الواقعية مثلآ راجع أقواله فى متى ١٩ : ٤ - ٦ .
فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:"أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقـــَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا إِذًا لَيْسَـــــا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ" .
ومتى ٢٤ : ٣٧ - ٣٩
 وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ، وَلَـمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ.
ومرقس ١٠ : ٤ - ٦ 
 وَظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوعَ فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقولُ لِيَسُوعَ:«يَا سَيِّدِي، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحـــــــِدَةً لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِذْ كَانُوا مُرْتَعِبِينَ.
ولوقا ١١ : ٤٧ - ٥١
وَيْلٌ لَكُمْ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ، وَآبَاؤُكُمْ قَتَلُوهُمْ  إِذًا تَشْهَدُونَ وَتَرْضَوْنَ بِأَعْمَالِ آبَائِكُمْ، لأَنَّهُمْ هُمْ قَتَلُوهُمْ وَأَنْتُمْ تَبْنُونَ قُبُورَهُمْ  لِذلِكَ أَيْضًا قَالَتْ حِكْمَةُ اللهِ: إِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْبـــــــِيَاءَ وَرُسُلاً، فَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَطْرُدُونَ  لِكَيْ يُطْلَبَ مِنْ هذَا الْجِيلِ دَمُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ الْمُهْرَقُ مُنْذُ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ، مــِنْ دَمِ هَابِيلَ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا الَّذِي أُهْلِكَ بَيْنَ الْمَذْبَحِ وَالْبَيْتِ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ هذَا الْجِيلِ.
ولوقا ١٧ : ٢٦ - ٣٢
وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ  كَانُوا يَأْكُــــلُونَ وَيَشـْرَبُونَ، وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ كَذلـــِكَ أَيْضًا كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ: كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ، وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ
 . وَلــــكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ، أَمْطَرَ نَارًا وَكِبْرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ هكَذَا يَكُونُ فِي الْـــــيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ  فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُــــــــذَهَا، وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ كَذلِكَ لاَ يَرْجعْ إِلَى الْوَرَاءِ اُذْكُرُوا امْرَأَةَ لُوطٍ .
ويوحنا ٧ : ٢١ - ٢٣
 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «عَمَلاً وَاحِدًا عَمِلْتُ فَتَتَعَجَّبُونَ جَمِيعًا لِهذَا أَعْطَاكُمْ مُوسَى الْخِتَانَ، لَيْسَ أَنَّهُ مِنْ مُوسَى، بَلْ مِنَ الآبَاءِ. فَفِي السَّبْتِ تَخْتِنُونَ الإِنْسَانَ فَإِنْ كَانَ الإِنْسَانُ يَقْبَلُ الْخـــــِتَانَ فِي السَّبْتِ، لِئَلاَّ يُنْقَضَ نَامُوسُ مُوسَى، أَفَتَسْخَطُونَ عَلَيَّ لأَنِّي شَفَيْتُ إِنْسَانًا كُلَّهُ فِي السَّبْتِ؟لاَ تَحْــــــكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلاً.
ويوحنا ٨ : ٤٤
أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ.
إلى آخر أقوال المسيح المعتمدة على قصص سفر التكوين ، والمسيح بدون شك أعلم منهم بحقيقة هذا السفر .
إن سفر التكوين بما يحتويه من أفكار يُعتَبَرُ بجدارة مقدمة لازمة وضرورية للكتاب المقدس كله إذ أنَّه يتتبع خطوات تنامى نور الإعلان الإلهى الموجه من الله للجنس البشرى لتعليمه ، وجدير
بالذكر أن نتذكر أن العهد الجديد إقتبس من هذا السفر وحده ستين إقتباسآ مما يشير إلى أهمــــــيته ، فهو يمُدُنا بمعرفة البداية التاريخبة لعلاقة الإنسان بالله ، وهى لازمة لكى نتعرف على نتائج هذا الإعلان الإلهى .
ثانيآ : سفر الخروج 
 نفس قاعدة تسمية الأسفار عند الأمة العبرانية ، والتى إتبعوها عند تسميتهم لسفر التكوين بـكلمة باراشيت وهى الكلمة الأولى فى مطلع السفر وتعنى بالعربية "فى البدء" تكررت عند تســــــميتهم لسفر الخروج حيث أنه يبدأ بالقول*٢٤(وإليه شَموت) ومعناها بالعربية "وهذه أســــماء" (وتكملة الجملة تعنى أن المقصود هو: وهذه أسماء بنى إسرائيل الذين جاءوا إلى مصر) فاتــخذ العبرانيون كلمة"*٢٥ شَموت " أى "أسماء " كتسمية لهذا السفر .
أما التسمية الإنجليزية وكذلك العربية فهى تتبع الترجمة السبعينية حيث أطـــــــــــــــلقت عليه إسم "إكسودوس
*٢٦
"ومعناها الخروج فالترجمة السبعينية إهتمت بأن تكون التســــمية تعكس ملخصآ مجملآ للمحتَوَى الذى بالسفر ، تمامآ كما فعلت بسفر التكوين وسائر الأسفار .

وحادثة الخروج هى الحادثة المركزية الهامة التى يرتكز عليها لاهوت وتاريخ العـــــــــــهد القديم ، فالخروج من مصر مَثَّلَ لهذه الأمة فكرة معنى التعبير " الخلاص" فالخلاص مفهومه لديــــهم يكاد يكون محصورآ فى فكرة الخروج .
والكتاب يقوم بتغطية هذه الحادثة ، كما أن كلمة الخروج ذاتها تـــكررت فى هذا السفر مرات عديدة ولعل منها ما جاء فى خروج ١٩ : ١
فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ بَعْدَ خُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصــــــْرَ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ جَاءُوا إِلَى بَرِّيَّةِ سِينَاءَ
ومنها إستقى مترجموا السبعينية فكرة التسمية ، والكلمة الـــــيونانية الهيلينيستية ذاتها إستخدمها كتبة العهد الجديد مثلآ فى لوقا ٩ : ٣١ 
اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ.
، عبرانيين ١١ : ٢٢
بِالإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ.
، بطرس الثانية ١ : ١٥
فَأَجْتَهِدُ أَيْضًا أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي، تَتَذَكَّرُونَ كُلَّ حِينٍ بِهذِهِ الأُمُورِ.
فلقد نشأ كتبة العهد الجديد كعبرانيين فى بيئة عبرانية ، وكان من الطبيعى أن يستــــــــــخدموا هذا الإصطلاح "خروج" بمدلوله المعروف فى المجتمع العبرانى.
ويوالى سفر الخروج سرد الحوادث التى وقعت لأنسال الآباء الذين استقرت تســـميتهم بإسم "بنى إسرائيل" وهم الذين يبتدىء التأريخ لهم من إبراهيم المذكور فى ســـــــفر التكوين ، ثم يبدأ السفر مُكَّمِلآ هذا الحديث أو السرد بتوضيح كيف آلت إليهم المقادير ، فإذا بأحــــوالهم تتغير بدلآ من حالة التوقير والتكريم التى كانوا قد نعِموا بها فى زمن يوسف إلى تلك الحالة الزرية المــــــتواضعة قبل الخروج ، وكيف كانت معاناتهم قاسية مقابل فرعون وإضطهاده لهم ، وإستعباده لهذا الشــــــعب ، ولكن عناية الله تدخلت من خلال إعلانه عن ذاته أمام شخصية هامة وهى شخصية موسى ، وبذلك

أثبتت عناية الله لشعبه على ممر التاريخ ، أن الله متمسك بوعده الذى سبق أن قطــــــعه على نفسه
 لإبراهيم والآباء ، فهو الإله نفسه الذى صار فى عهد مع موسى ، وهو له معاملات شـــخصية مع أنسال هؤلاء الآباء الموعودين بموجب العهد ، فهو الذى يسمع لأنينهم ويستمع إلى شكـــــــواهم ، ويكون لهم بمثابة ملك ، يقود ، ويحرر ويستخدم كافة المشارب والأهواء التى عند البشر ليطوِّعَها لتنفيذ خطته لفداء شعبه ، فهو مثلآ يستخدم فرعون بعناد قلبه حتى يتمجد فيه ، كما يستخــــــــــدم موسى بطاعته لكى يقود الله الشعب بواسطته .
إنه يستخدم عصا موسى ، النهر ، والضفادع ، والذباب ، والبعوض ، والجراد ،وبحر ســـــــــــوف (البحر الأحمر حاليآ) فى الوقت ذاته.
وهكذا يبدو الله أنَّه هو إله الآباء الإله العجيب صانع المعجزات والإعــــــــجاز فى الطبيعة من خلال الضربات العشر التى أُبْتُلِىَ بها المصريين وفرعون ، وفى معجزة شق بحر سوف وخروج شعبه ، ثم كيف كان يقودهم من خلال عمود سحاب فى النهار وعمود نار فى الليل ، فالله أصـــبح هو القائد والمرشد والحامى لشعبه .
وإذ يستقر الشعب بعد الخروج عند جبل سيناء " حوريب" يضطلع الله بمهمة القــــــــائد والمرشد والمعلم ، فيعطيهم الشريعة والناموس ويعلمهم الفرائض والطقوس وينظم علاقة هذا الـــــشعب به وببعضهم البعض وعلاقتهم بقادتهم من البشر ، ويخبرهم بسابق عهده معهم ، حيث كانوا فـــــــيما مضى فى مرحلة ضبابية الشريعة حيث كانوا يتناقلون التعاليم فيها شفاهة من الآباء وعن الآبـاء ، ولكنهم لم يعملوا بهذه التعاليم ، أما فى عهد الله معهم على يد موسى ، صار العهد مكتوبآ شــــهادة أمامهم وتحذيرآ لهم حتى لا يعودون كما كانوا فى الأيام السالفة ، فيتناسوا العهد كما حدث منهم فى أرض مصر حيث تناسوا أصول هذه العلاقة التى أقرَّ وأمر الله بها الشعب فى عهد آبائهم ، وبهــــذا العهد المكتوب صار لبنى إسرائيل دينآ مؤسسآ مكتملآ للأركان ، فوُلِدت ديانة بنى إسرائيل ووجدت فى سجلات التاريخ .
وكتاب الخروج ينقسم فى محتوياته كما يلى: 
١- موسى القائد المُحرِر - .

الأصحاح الأول العدد الأول حتى الأصحاح الرابع العدد الحادى والثلاثون .
٢- التعامل مع فرعون - .

الأصحاح الخامس والعدد الأول حتى الأصحاح الثالث عشر العدد التاسع عشر .
٣- من مصر إلى جبل سيناء - .

الأصحاح الثالث عشر العدد العشرون حتى الأصحاح التاسع عشر العدد الثانى .
٤- تأسيس العهد -.

 الأصحاح التاسع عشر العدد الثالث حتى الرابع والعشرون العدد الثامن .
٥- خيمة الشهادة والعبادة - .

الأصحاح الرابع والعشرون العدد التاسع حتى الأصحاح الأربعون والعدد الثامن والثلاثون .
أما بخصوص تاريخ ذلك الخروج ، فالرأى لم يتفق حتى الآن بين العلماء رغم أن جميعهم يؤكـدون حدوثه ، فهو يقع فى تقديراتهم فى الفترة التى تقع بين عام ١٤٤٠ ق. م حــــتى عام ١٢٩٠ ق. م وبذلك يكون الفارق بين تاريخ موسى وتاريخ الآباء الأولين البطاركه حوالى أربعة قرون وبالـرغم من عدم إتفاق العلماء فى تحديد موعد هذا الخروج إلا أننا نجد هناك أدلة أخرى تعيننا على تحديد هذا الموعد من ضمنها مثلآ ما جاء فى سفر الملوك الأول ٦ :١ .
وَكَانَ فِي سَنَةِ الأَرْبَعِ مِئَةٍ وَالثَّمَانِينَ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فِي الســـَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِ سُلَيْمَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فِي شَهْرِ زِيُو وَهُوَ الشَّهْرُ الثَّانِي، أَنَّهُ بَنَى الْبَيْتَ لِلرَّبِّ
.
يقول بأن هناك ٤٨٠ عامآ مضت منذ حادثة الخروج حتى إتمام بناء هيكل سليمان (مع ملاحــــــظة وجود 40 سنة أخرى مضافة كانت تعتبر فى أرض مصر قضاها الشعب قى التيه فى سـيناء) ، فإذا كانت الدراسات الأثرية أثبتت أن فترة مُلك سليمان قد بدأت عام 931 أو 930 ق.م وأنــه بدأ مُلكه بتشييد الهيكل فى العام الرابع من توليه العرش ( راجع ملوك الأول 6 : 1 كما سبق ذكره ) فـــــــهذا يؤيد أن الخروج كان قد تم فى هذه الفترة المبكرة من التاريخ فى بدايات القرن الخامس عــشر قبل الميلاد أى نحو ١٤٦٠ ق. م*٢٧، ولكن فكرة تحديد تاريخ متأخر لهذه الحادثة يمكن أن يخــــــــلق مشاكل فى توفيق تاريخ حدوث الحوادث التى وقعت بين يشوع وغزوه لكنعان وبين تاريخ المملكة أيام داود النبى والملك .
وهكذا فقد كان لحادثة الخروج خطرها بالنسبة للتاريخ العام لشعب الله بالنسبة لعقيدته ، ففى حادثة الخروج تجلى الله بوصفه الإله القوى الذى أخرجهم بقوة قاهرة معجزية وأثــــــناء حديثه عن هذه الحادثة يسرد الكثير من الأسس العقائدية التى كان لها شأنها فى تأسيس ديانة بـــــــــنى إسرائيل ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، نجد هناك إرتباطآ وثيقآ بين أحداث الخروج ذاته وبين طقس الفصح
، وهو طقس له العديد من الدلالات التعليمية الغنية البعيدة المدى من الناحية الرمــــزية ، والقريبة المدى فى الممارسة الطقسية لها .
كما أن حادثة الخروج أزادت وقوَّت من أواصر صلة هذا الشعب بإلهه حيــث وجد هذا الشعب نفسه أنه شعب مقدس قد إختاره الله ، فكان حتمآ على هذا الشعب إتباع الوصـــايا العشر التى أمر الله بها هذا الشعب ، بالإضافة لتطبيق التعاليم الخاصة بالكهنوت وخيمة الشهادة ، حتى تكون هذه الأشياء هو سبيلهم لبلوغ الهدف الأسمى بإرضاء الله الذى إختارهم وخلصهم. 
ثالثآ : سفر اللاويين 
إسم هذا السفر عند الأمة العبرانية حسب عاداتها كما عرفنا بإطلاق الكلمة الأولى فى الــــــــــــسفر كمسمى له هو "ويِقْرَا" *٢٨  والكلمة مسبوقة بحرف العطف " واو" ومعناها دعى – نــــــادى - أهاب - نَاجَى ... ألخ وهى المترجمة فى الترجمة الفانديك العربية فى فاتحة السفر "ودعا".
وكما لاحظنا فيما قبل عند الحديث عن سفر التكوين وسفر الخروج ، أن كلآ من الترجـمتين العربية والإنجليزية تتبع التسمية التى فضل مترجموا السبعينية إطلاقها على السفر ، حيث أن هــــدفهم من وراء تغيير هذه الأسماء ، هو إعطاء فكرة لمن يقرأ هذا الإسم عن محتوى هذا السفر بــــــــصورة ملخصَة جدآ كعنوان له ، فقد أطلقوا عليه فى ترجمتهم إسم "ليفيتيكون" *٢٩ومعنى الكلـمة 
هو "ما يخص اللاويون" .

 والذى دعا السبعينيون أن يطلقوا هذا الإسم هو أن محتويات هذا السفر هى عبـــــــارة عن حقـائق يسردها الله على يد موسى  بخصوص العبادة والعقيدة فى ديانة بنى إسرائيل وهى أمــــــور تخـص اللاويين الذين يخرج منهم الكهنة لأنَّ هذه هى وظيفتهم التعليمية والإجرائية بين الشعب.
وهذا السفر الثالث من أسفار التوراة يرتكز فى الواقع على فكرة أخلاقية هامة وهى مذكورة فى هذا السفر  الأصحاح ١١ : ٤٤ - ٤٥
*٣٠

إِنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ. وَلاَ تُنَجِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بِدَبِــــيبٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ إِنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَكُونَ لَكُمْ إِلهًا. فَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ.

وعلى كل إمتداد هذا السفر  يوضح الله كيفية جعل صيرورة وتحول هذا الشعب ليكون مقدسآ يتصف بالإسم "قديسين".
فالكلمة العبرانية " قُدُوش"*٣١  أى "قدوس" أو مُقَدَس وردت بمشتقاتها ١٥٠ مرة فى هـــــــذا السفر.
كانت التعاليم الواردة فى هذا الجزء هى حصيلة عام كامل ، كان بنو إسرائيل يعـسكرون خــلاله فى جبل سيناء ، فبالإضافة للتعاليم بخصوص خيمة الإجتماع كان هناك تعاليم أخرى بـشأن الذبـائح فقد كان هرون وأبناءه ممسوحين أى مخصصين برسالة خدمة الكهنوت مُعيَنون لأجلها ، ومهمتهم هى خدمة هذه الرسالة بالإضافة لخدمة الشعب بموجب قواعدها على حدِ سواء ، فــــــــــكانوا لكى يحافظوا على تلك القداسة ، وهى فى معناها بالقاموس العبرانى التميز والإنفصال عن النــــــجاسة بهدف إيجاد علاقة خاصة بالله ومنها الصوم والتعبد وتقديم الذبائح والقيام بواجــبات العبادة *٣٢  
لقد تخصص الكهنة واللاويين لهذا العمل فعليهم المحافظة على القداسة وأمر الشــــعب بممارستها وبذلك تصبح هذه التعليمات بمثابة ترقية للشعب ليكونوا أسمى من المصريين والكنعانيين وشعوب الأرض الذين سيكونون من الساكنين حولهم وبهذه التعليمات يستطيعون التميز لــــــتكون هذه هى سمتهم الأساسية أى مُقَدَسون .
ثم كانت مهمة تحديد الأعياد والممارسات الخاصة بها للمـــــحافظة على هذا الفكر الفريد ، ولتذكير الأمة بصورة دورية على مدار العام بطريقة الممارسات العمـــلية التى لا تخلو من مضمون تعليمى يستطيع البسطاء من خلال ممارستهم له أن يدركوه ويعرفوه ويـــسكن جوانح وجدانهم فلا ينسونه ، أو دعنا نُصَّرِحُ بأن الأعياد كانت مهمتها حفظ وتثبيت صيغة الـعهد بين الله وهذا الشعب من خلال ممارسة هذا الشعب لطقوس الأعياد ، فلكل عيد طقوسه الخاصة الـتى تحتوى على مضمون تعليمى معين ، مما ينظم وجود حالة جديدة تؤكد لديهم إستمرار الإحساس والتــــمييز والإدراك بأنهم شعب خاص إختاره الله من وسط الأمم ليكونوا شعبآ خاصآ به.
ويمكننا تقسيم سفر اللاويين فى محتوياته كما يلى :

١-النواميس والتعاليم بخصوص الذبائح .-
 الأصحاح الأول العدد الأول حتى السابع العدد الثامن والثلاثون.
٢-الكهنوت الهارونى -.
 الأصحاح الثامن العدد الأول حتى العاشر العدد العشرون.
٣-قواعد وأسس حياة القداسة -.
 الأصحاح الحادى عشر العدد الأول حتى الخامس عشر العدد الثالث والثلاثون.
٤-يوم الكفارة -.
 الأصحاح السادس عشر العدد الأول حتى السادس عشر العدد الرابع والثلاثون.
٥-القداسة العملية -.
 الأصحاح السابع عشر العدد الأول حتى الأصحاح الثانى والعشرون العدد الثالث والعشرون.
٦-التذكار والأعياد والمواسم - .
الأصحاح الثالث والعشرون العدد الأول حتى الخامس والعشرون العدد الخامس والخمسون. 
٧-شروط بركة الله -.
 الأصحاح السادس والعشرون حتى السابع والعشرون العدد الرابع والثلاثون.
وكان الأمر الهام هو محافظة هذا الشعب على علاقته بالله من خلال تقديم الذبيـــحة ، فهى تُمَتِلُ فى أهميتها ضمان عملية الإعادة كعملية للتذكير ، فيتذكر الشعب بإستمرار واجباته تـجاه الله من خلال الشكر الذى يتمثل بصورة عملية فى التقدمة ، ومن خلال الدم الذى هو شرط  فداء الله لشعبه..
وبذلك تتكرر فكرة أنَّ هذه التعليمات هى إعلان الله حوالى ٥٠ مرة خلال هذا السفر وحده فلقد فدى الله شعبه محبة منه لهم أجمعين ووفاء من الله بعهده مع أسلافهم ولذلك هناك تركــــيز على وصية المحبة فى لاويين ١٩ : ١٨. 
لاَ تَنْتَقِمْ وَلاَ تَحْقِدْ عَلَى أَبْنَاءِ شَعْبِكَ، بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. أَنَا الرَّبُّ .
أما مهمة السبت فكانت لأجل ضمان تثبيت تلك العقائد والأفكار على مدى كل أسبوع من الأيـــام فى الوقت الذى تكفلت الأعياد بمهمة تذكيرهم بتلك العلاقة بصورة دورية على مدار فصــــــــول السنة المختلفة.
لقد تجلت بركات الله فى أنه جعلهم شعبآ خاصآ من وسط قبـائل الأمم ، فقد أخرجهم بيد قوية قاهرة من أرض العبودية، لذلك فإن الله يحتفظ بحقه فى البركة لهم فى حالة إذا كانوا   مســــــــتمرين فى تقدير هذا العمل الجليل الذى عمله الله لهم ، بإتباع ناموسه أى شريعته وقانونه وتعلــيماته ونظامه  وفى نفس الوقت بحفظ
 تذكاراته وإلا تحول الله للعنتهم متى صاروا مثل سائر الأمم فيــضع عليهم نير العبودية من جديد بعد أن كان قد رحمهم منه.
وهكذا نجد اللعنات المذكورة فى السفر فى الأصحاح ٢٦ الأعداد من٢٧إلى ٣٩ .
«وَإِنْ كُنْتُمْ بِذلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ
فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ سَاخِطًا، وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِـــيكُمْ، وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ تَأْكُلُونَ وَأُخْرِبُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ، وَأَقْطَعُ شَمْسَاتِكُمْ، وَأُلْقِي جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ، وَتَــــــــرْذُلُكُمْ نَفْسِي وَأُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً، وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً، وَلاَ أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سَرُورِكُمْ وَأُوحِـــــــــــــــشُ الأَرْضَ فَيَسْتَوْحِشُ مِنْهَا أَعْدَاؤُكُمُ السَّاكِنُونَ فِيهَا وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُجَرِّدُ وَرَاءَكُمُ السَّيْفَ فَتَصِيــرُ أَرْضُكُمْ مُوحَشَةً، وَمُدُنُكُمْ تَصِيرُ خَرِبَةً حِينَئِذٍ تَسْتَوْفِي الأَرْضُ سُبُوتَهَا كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا وَأَنْتُمْ فِــــــــــي أَرْضِ أَعْدَائِكُمْ. حِينَئِذٍ تَسْبِتُ الأَرْضُ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا تَسْبِتُ مَا لَمْ تَسْبِتْهُ مِنْ سُبُوتِكُمْ فِي سَكَنِكُمْ عَلَيْهَا وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ أُلْقِي الْجَبَانَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِهِمْ، فَيَهْزِمُهُمْ صَوْتُ وَرَقــــــَةٍ مُنْدَفِعَةٍ، فَيَهْرُبُونَ كَالْهَرَبِ مِنَ السَّيْفِ، وَيَسْقُطُونَ وَلَيْسَ طَارِدٌ وَيَعْثُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ كَمَا مِنْ أَمَـــــامِ السَّيْفِ وَلَيْسَ طَارِدٌ، وَلاَ يَكُونُ لَكُمْ قِيَامٌ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَتَأْكُلُكُمْ أَرْضُ أَعْدَائــــِكُمْ
وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنَوْنَ بِذُنُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِكُمْ. وَأَيْضًا بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ .
وكل هذه اللعنات فى ختام هذا السفر تشير إلى حالة السبى التى مرَّ بها شعب بنى إسرائيل فيما بعد
، عندما أهملوا قداستهم ، فاستحقوا نظير إهمالهم لناموس الله لعنته لهم   .
رابعآ : سفر العدد 

الإسم العبرانى لهذا السفر هو " بــمِدْبَار"*٣٣  أى "فى الصــــــــحراء" أو البيداء ومع أن الكلمة
الإفتتاحية للسفر كانت "ويدْبِاِر" *٣٤ أى "وكلم" لكنهم إختاروا كلـــــــمة من الجملة الأولى حيث كان قوله "وكلم الرب موسى فى برية سيناء"*٣٥   فاختاروا التعبير "فى برية" ( سيناء) لتكون عنوانآ واسمآ لهذا السفر .
أما الترجمة السبعينية فقد إختارت لها اسمآ هو "أريثمـــــوى"
*٣٦ وتعنـى العدد وهى فى اللاتينية
 "نوميرى " 
*٣٧  وهكذا تبعتها اللغة الإنجليزية والترجمة العربية للإسم. وقد إنخذ هذا السفر هذه التسمية التى أطلقها المترجمون عليه نظرآ لبدايته بتــعداد أو إحصاء وهو التعداد المذكور فى الأصحاح الأول كما يوجد إحصاء آخر فى الأصحاح السادس والعشرون.
إن الذى يطالع هذا السفر يظن أنَّه مكتوب على مدى ٤٠سنة أثناء التيه فى برية سيناء لأنها تؤرخ الأحداث الواردة بين الأصحاح العاشر والعدد الحادى عشر والأصحاح التاسع عـــشر والعدد الثانى والعشرين للفترة الواقعة بين السنة الثانية للخروج حتى السنة التى تسبق نهاية فـــــــترة التيه فى الصحراء وهى فترة تقترب من ٣٨ عام كامل لكن الواقع غير ذلك فقد تمــــت كتابة هذا السفر على مرحلتين :
المرحلة الأولى :كانت أثناء السنة الأولى للخروج.
وأما المرحلة الثانية والأخيرة :فقد تمت كتابتها عندما وصل الشعب إلى مشارف الأرض المقدســـة ، شرق البحر الميت ، عند إستعدادهم للدخول إلى أرض كنعان ، أى فى السنة الأخيرة من حيـــــــاة موسى.
أما أقسام محتويات السفر فهى كما يلى


١- تعليمات بخصوص الإستقرار الجزئى أى عملية التخييم والعسكرة والسير المحدود .

- الأصحاح الأول العدد الأول حتى العاشر العدد العاشر .
٢- من سيناء إلى موآب .

- الأصحاح العاشر العدد الحادى عشر حتى الحادى والعشرين العدد الخامس والثلاثون.
٣- بلعام وبالاق وإسرائيل .

- الأصحاح الثانى والعشرون العدد الأول حتى الخامس والعشرون العدد الثامن عشر.
٤- تعليمات لدخول وإحتلال أرض الموعد .

- الأصحاح السادس والعشرون العدد الأول حتى السادس والثلاثون العدد الثالث عشر .
ويتجلى فى هذا السفر إظهار الله بوصفه الإله الذى أَمَدَّ إســـــــــــرائيل بكل إحتياجاته ، فيذكر كيف أطعمهم منآ ، وكيف رواهم وأسقاهم من الصخر ،وأمطر عليهم "ســــــــلوى" كبديل للحوم ، حتى تكفيهم هذه المؤونة المتجددة التى كانت تهبط عليهم من السماء مباشرة مــــع ندى الفجر ، وبذلك أثبت الله لهم أنه هو مصدر العطايا والبركات ، فلقد تكفل الله بإطعامهم وقد كان عـــــــددهم يتجاوز ستمائة ألف نسمة من الرجال عدا النساء والأطفال أى ما يزيد عن المليون شخص.
تقريبآ ، لمدة أربعين عامآ ، فلم تكن هذه المصادر الغنية اللازمة لحياتهم موجودة فـــى الطبيعة فى هذا المكان ، فقد كانت الطبيعة قاحلة فلم تكن هذه الأشياء موجودة ولا حتى هناك وجـــود لخاماتها الأصلية التى يمكن أن يتم منها تخليقها لهم ، وبذلك لا يمكن أن يقود منطق أى إنسان مــنهم سوى أن الله كان هو مصدر هذه العطايا ..
كما يوضح لنا سفر العدد كيف أن الــــله تجلى بقيادة شعبه من خلال ظهور عمود سحاب فى النهار وعمود نار فى الليل .
وبعد أقل من عامين من هذه القيادة الإعجازية الرشيدة ، تعرض بنو إسرائيل لإمـــــــــتحان من الله لإيمانهم وكفاءة هذا الإيمان عند إستعدادهم لدخول أرض الموعد ، فإذا ببنو إسرائيل يــــــــتأثرون بالأخبار التى نقلها لهم الجواسيس العشرة الذين تم تكليفهم بتجسس الأرض ، فكان تأثيرهـــــم يدل على عدم إيمانهم حيث خافوا ، وإرتعب الكثير منهم بالرغم من وعد الرب لهم أنه سيعطيهم هــــذه الأرض .
وبذلك وضعهم الله فى هذه الفترة تحت الدينونة ، وكانت الدينونة معناها أن يتم فناء هذا الجيل غير المؤمن بالوفاة كنهاية لعمر كبار السن تباعآ ، عامآ بعد عام ، حيث تمــــــــت تصفيتهم تمامآ طوال الثمانية والثلاثين عامآ التى قضوها فى التيه فى البرية ، إلى أن بدأ الجيل الـــــمؤمن بقيادة يشوع بالإضطلاع بهذه المهمة المقدسة حيث يتم الإعداد لهذه المهمة من خلال الأحــــداث التى عند نهاية هذا السفر .
خامسآ : سفر التثنية 

التسمية العبرانية لهذا السفر هى " دِبْريِمْ"*٣٨ ومعناها " الكلام"وهى ليســــت الكلمة الأولى كما تعود العبرانيون من حيث ورودها فى فاتحة السفر ولكنها مأخوذة من الجملة الأولـــــى : "هذا هو الكلام الذى كلم به موسى جميع إسرائيل"*٣٩ فلم يكن من الممكن تسميته بكلمة "هذا" وهى أول كلمة فى فاتحة السفر .
ولكن التسمية اليونانية فى الترجمة الســــــــبعينية أطلقت عليه التسمية "دويوتيرونوميون" 
*٤٠

 ومعناها "الشريعة للمرة الثانية " وإتبعت كافة الترجمات تســــــــمية السبعينية لهذا السفر ، فهى
تُعَبِّر عن وجهة نظر المترجمين للسبعينة حيث أنهم وجدوا فيها إعـــــــــــــــادة  لما جاء بخصوص
الناموس الوارد فى أسفار الخروج والعدد ولكن بشكل مُجَّمَع .
ولكننا نلاحظ أن هذا التكرار لم يكن من فراغ ، بل كانت هناك أبعادآ أخرى لتلك الوصايا التى وردت فى الأسفار السابقة عليه فى التوراة .
ففى هذا السفر يلخص موسى تلك التعاليم التى إســــتقرت فى هذه الديانة الجديدة ، والتى صار لها كيان كامل الوجود ، من تلك الأسس النظرية المتمثلــــــة فى التعاليم والوصايا والشرائع والعبادات
والطقوس والعلاقات ، والتى سبق أن تسلمها من الله طـــــــــــيلة أربعين عامآ أمضاها فى البرية ،
وعندما يسطر هذا السفر ، فإنه يكتبه بوصفه قائد ومرشد ومعلم لهذا الشعب.
أما من ناحية الأسلوب الأدبى لهذا السفر ، فمن الواضح أن موسى الكــــــاتب يخاطب الشعب بشكل
 أو بصورة وأسلوب مباشر ، فيُذَّكِرَهم بالوعد والعهد ، الذى سبق هذا الشـــــــــــعب أن قطعه على
 نفسه أمام الله مليكهم العظيم  ، وهو نفسه إله الآباء الذى أخرجهم وحررهم من نير العبودية
ويغلب علينا الظن بأن موسى وجه هذا الحديث للجيل الجديد الذى كانت قد آلت إليه الأمور ، بعد فناء وموت الجيل السابق ، الذى عاقبه الله بحرمانه من الدخول لأرض الموعد ، فــــــــقد كان على
هذا الجيل أن يتهيأ ويتأهب ويستعد لمهمة هذا الدخول ، فيتذكر أخطاء الآباء حتى لا يكــــرروا تلك الأخطاء ، وليفتح أمامهم الأبواب حتى يقبلوا الدخول فى ذلك العهد بينهم وبين الله ، فلا يــــصيروا كآبائهم الذين فنوا فى البرية تيهآ وإبتعادآ عن الله ، لكى لا يقعوا تحت طائلة دينونة الله كآبــــــائهم 
والناموس ليس هو الفكرة الرئيسية فى هذا السفر ، وإنما العهد الذى فيه تكون هنـــــــــــــاك صلة
وارتباط بين الله وشعبه ، إذ تنازلت محبة الله برعاية آبائهم ، واستعمل الله معهم أقصى ظروف الرأفة والعفو ولكن كان كيل تعدياتهم قد زاد ، رغم إستخدام الله لقوته القاهرة والقادرة المعــــجزية
 فى إخراجهم من أرض مصر ، وإعالتهم فى البرية ، لذلك فعلى هذا الجيل أن يعرف الواجـــــــــــب
عليه ، وهو أنه كشعب يجب أن يرد على صنيع الله معهم ، بالإستجابة لمحبته فيـــــــــحبوه من كل
 القلب والنفس والقدرة .
ثم أنَّ العبادة فى هذا السفر هى تطبيق عملى ، ودليل فعلى على هذه المحبة ، وتلك الصلة والعلاقة الفريدة ، فعلى هذا الشعب أن يسلك فى هذه العلاقة ويوثق هذه الصلة ، لأنها هى الســــبيل الوحيد لإستكمال ما أخفق فيه الآباء ، حتى يحصلوا على البركة الدائمة ، لأن محبتهم لله سوف تكون هى الدليل على ولائهم لله ، وذلك بطاعتهم لله وتنفيذهم لوصاياه المقدسة والسلوك بســـــــــيرة طاهرة عطرة قدامه .
ثم تأتى ممارسة العدل والرحمة فى معاملاتهم الحياتية ، ويكون الدافع لها هو محبــــــــتهم لله التى تستلزم منهم محبة الجار والقريب ، لأن هذه الصفة يجب أن تتوافر فى شعب الله حتى تــــميزه عن سائر الشعوب .
لقد حث موسى الشـــعب على حفظ هذه العلاقة الحية بين إسرائيل والله ، وأشار إلى أنَّه على الآباء أن يعلموا أولادهم ، لأنــــــــهم مسئولون عنهم أمام الله فى توصيل ذلك التعليم ، من خلال ممارسة الفرائض والطقوس والعبادات والأعياد والقدوة الحسنة ، وكذلك بالتعليم المباشر .
 فمن خلال ملاحظة الأعياد والمواسم على مدار العام ، كالفصح ، وعيد الأسابيع ، وعــــــــيد خيمة الإجتماع ( تدشين الخيمة ) ، وسائر الأعياد الدورية الأخرى ، يتمكن الجيل الـــجديد من أن يستقى تعليمه الخاص بأعمال الله ، حتى يمجد الله ويظل يعبده ويحبه من كل القلب .
كما أن هناك إشارة لما يجب على هذا الجيل الجديد أن يعمله ، عند دخوله إلى أرض كنعان فقد كان آبائهم فى البرية ، لا يزرعون ولا يحصدون ، ولكنهم سيدخلون إلى الأرض الـــــــــتى سيزرعونها ويحصدون ثمارها وغلتها ، فماذا يجب عليهم بالقيام بعمله عند الحصاد ، عِرفـــــانآ لله على بركته وعطائه ؟.
 وهذا السؤال يجيب عليه موسى من خلال تذكيرهم بالعيد الخــــــاص لهذا الأمر ، لأن الله هو الذى أدخلهم إلى تلك الأرض التى تفيض لبنآ وعسلآ - على حد تعبير التـــــــــوراة - وما الذى عليهم أن يعملوه عند الحصاد ، ليستوفى فقراء الأرض نصيبهم من بركة الله ، ومــــعنى ذلك أن الشريعة فى سفر التثنية لم تكن مُعادة ، بل طرأت ظروف جديدة جعلت موسى يتهـــــيأ فى هذا الكتاب لتثبيت ما مضى من تشريع ، وإثبات وإظهار أو تلميع الجديد ، اللازم لهذا الجيل حــتى يكون زادآ ومعونة له عند دخوله الأرض
.
لقد كتب موسى هذا العهد فى نسختين ، تم حفظــــــهما فى تابوت العهد بخيمة الشهادة ، وكان من الواجب أن تتم قراءة نسخة منها كل سبع سنوات بــــــــالتبادل ، حتى تظل ذكرى للأجيال القادمة ، وحتى يحرص شعب بنى إسرائيل على بقاء تلك العلاقة بينهم وبين الله.
لقد أوضح موسى ، بصراحة وبصورة قاطعة ، النتيجة التى تلزم عند إســــتجابة الشعب لهذا العهد بالطاعة ، فالنتيجة الحتمية فى هذه الحالة تكون البركة وإستمرارها يكون بموجب إستمرار الإلتزام بهذا العهد .
كما أوضح بــما لا يدع هناك مجالآ للشك أو الجدل بأنه إذا عصى الشعب هذا العهد فاللعنة  والسبى سيحِلان عليه وبه لا محالة.
أما تقسيم السفر فى محتوياته فهو كما يلى: 
١-عبرة بنى إسرائيل من تاريخ آبائهم .
 الأصحاح الأول العدد الأول حتى الرابع العدد الثالث والأربعون .
٢-وجود الناموس .
الأصحاح الرابع العدد الرابع والأربعون حتى الحادى عشر العدد الثانى والثلاثون .
٣-البر بالممارسة .
الأصحاح الثانى عشر العدد الأول حتى الثلاثون العدد العشرون .
٤- القيادة الجديدة التى صارت للشعب .
الأصحاح الحادى والثلاثون العدد الأول حتى الرابع والثلاثون العدد الثانى عشر .  
د.ق.جوزيف المنشاوى 
-------------- 
المراجع :
*١٣ Πεντατευχ
*١٤ 
Τετρατευχ
*١٥ 
Εξατευχ
*١٦ בראשית
 
γενεσες *١٧Genesis *١٨
*١٩ תולדת 
 Wellhausen- Graff *٢٠ 
   mythological*٢١
*٢٢ , JوE
 *٢٣ HumerusVergil , Sofokleese
*٢٤  וְאֵלֶּה, שְׁמוֹת
*
٢٥  שְׁמוֹת
*٢٦ Εξοδος *٢٧  حسب محاضرات الدكتور بيتر دريكسن فى كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة عام ١٩٧١ م إستنادآ إلى رأى روبنسن
 *٢٨ וַיִּקְרָא
*٢٩ Λευιτικον
*
٣٠ כִּי אֲנִי יְהוָה, אֱלֹהֵיכֶם, וְהִתְקַדִּשְׁתֶּם וִהְיִיתֶם קְדֹשִׁים, כִּי קָדוֹשׁ אָנִי; וְלֹא תְטַמְּאוּ אֶת-נַפְשֹׁתֵיכֶם, בְּכָל-הַשֶּׁרֶץ הָרֹמֵשׂ עַל-הָאָרֶץ.כִּי אֲנִי יְהוָה, הַמַּעֲלֶה אֶתְכֶם מֵאֶרֶץ מִצְרַיִם, לִהְיֹת לָכֶם, לֵאלֹהִים; וִהְיִיתֶם קְדֹשִׁים, כִּי קָדוֹשׁ אָנִי.
*
٣١ קָדוֹשׁ 
    *٣٢  . Davidson " The Analytical Hebrew& Chaldee Lexicon  
pp654-655 
*٣٣  בְּמִדְבַּר
*٣٤  וַיְדַבֵּר *٣٥   וַיְדַבֵּר יְהוָה אֶל-מֹשֶׁה בְּמִדְבַּר סִינַי,
*
٣٦
 Αριθμοι *٣٧ NUMERI
 *٣٨ דְּבָרִים
*٣٩ אֵלֶּה הַדְּבָרִים, אֲשֶׁר דִּבֶּר מֹשֶׁה אֶל-כָּל-יִשְׂרָאֵל
*٤٠ 
Διοτρονομιον

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق