السبت، 26 يونيو 2010

مدارس النقد :ثالثآ مرحلة ﭭيلهاوزن ومعاصريه

مدارس النقد :ثالثآ
مرحلة ﭭيلهاوزن ومعاصريه 

الصورة أعلاه هى لأحد مخطوطات البحر الميت - من مخطوطات العهد القديم                          
  نتذكر من نهاية الجزء الماضى كيف تطوع السيد جراف بتجميع أعمال من ســــــــبقوه فى النقد ، وكيف كان هذا التجميع مع ما كانت تموج به ساحة الفكر الحر عقب النهضة الأوروبـية ، بالإضافة لظهور العديد من المدارس الفلسفية التى أثرت ليس فقط على نمط التفكير الإقتصادى والسياسى والثقافى فى المجتمع الأوروبى ، ولكن صارت هذه الفلسفات بمثابة مُنطلَقَات للفكر ومناهـج للبحث فى كافة العلوم ، ومن بينها العلوم الدينية ، حتى إسلوب دراسة الكتاب المقدس ذاته ، بل أثـــَّـــرت كذلك على منطلق التفكير فيه وتقييمه ، ومن بين تلك المدارس التى أثارت عاصفة هوجاء مِــن التفكير فى كل الأشياء كانت المدرسة الداروينية ، فبالرغم من كونها تنصب أساسآ على العلـوم الطبيعية والأحياء او الفسيولوجى بالذات من بين هذه العلوم ، إلا أنها كونت توجهآ عامآ فـى النظر إلى أصول الأشياء.
ومن بين الشخصـــــيات التى تأثرت بأفكار النقاد السابقين وأزادت عليها كان "كينون *٩٩ " عام ١٨٦٩ م وتلاه مباشرة ظهور أعمال "يلهاوزن *١٠٠" الذى يُعَّد أخطر من لعـب دورآ فى تاريخ النقد الهدَّام للتوراة .
       لقد تميزت الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر بولادة هذا الفكر الجديد الذى لم يشهد العالم له مثيلآ فى تشريحه للعهد القديم ، وبالذات التوراة عندما أصدر "يوليوس ان يلـــهاوزن" كتابه المسمى "تأليف الكتب الست" باللغة الألمانية*١٠١ .
فى هذا الكتاب تميز أسلوبه بالجرأة الصريحة الواضحة فى تشريح مواد التوراة ،  ويتضح من الكتاب أن عنوانه كان خير دليل على فحواه ومحتواه ، فقد إستخدم التعبير "تأليف" وهذا يوضح ، بادىء ذى بدء ، أن المؤلف لم يكن يعتد أو يهتم بالوحى كمصدر لهذه الكــتابات على الإطلاق ، كما أنه إستخدم التعبير " الكتب الست " وبذلك يُعبِّرُ الكاتب عن عدم إعترافه بالوحدة التقليدية للتوراة بوصفها تضم الخمسة كتب الأولى  ، فأضاف إليها كتاب يشوع الذى يقع بــــــعدها فى الترتيب وفى هذا إشارة لوحدة الكاتب أو الكُتَّاب الذين قاموا بهذا العمل تجاه هذه الكتب الســـــــت أو الهكساتوخ *١٠٢ .
   لقد إبــــــتدأ
ﭭيلهاوزن نظريته من نقطة تاريخية غير محددة المعالم ، قبل أن يقفز لتصور وجودآ قديمآ لوحدة ضمت الستة كتب الأولى وهى التوراة مضافآ اليها ســـــفر يشوع ، جاء من بعدها هذا التقسيم السداسى ، لكنها كانت فى هذه المرحلة المجمعة مستقاة من عدة أصول كونت لها فى النهاية هذه الوحدة المتكاملة الأركان فى كتاب واحد. 
    تلك الأصول كانت متعددة ليس فقط فى موادها ، وإنما فى تاريــــــخ وجودها وبالتالى تعددت الشخصيات التى إهتمت بجمع هذه الوثائق ، وضمها الى الوثائق المُتـَحـصِلة من ذى قبل ، فى عملية أشبه بالتنقيح أو التصحيح ، وبحسب وجهة نظره ، أننا لو رمزنا لهذه الأصول بالأحرف بى *٩١ ودى *٨٦ وﭽيه *٧٩ وإى *٧٨ فإن المحرر يمكن أن نرمز له بالــحرف آر *١٠٣ ، وهو يفترض أن الوثيقة ﭽيه *٧٩ كانت أقدم هذه الوثائق ويعود تاريخها - فى رأيـــــــه وإفـتراضه - إلى حوالى عام  ٨٥٠ ق م تقريبآ ، ثم ظهرت الوثيقة إى *٧٨ حوالى عام ٧٥٠ ق م تــقر يبآ - بحسب إفتراضه - فتناولها أول المُحَرِرِين (وهو مثله مثل باقى المحررين الذين يفترضــهم "ﭭيلهاوزن"عبارة عن أفراد تعمل فى صنعة كتابة المحررات أى كان عملهم هو التحرير) وهــــــو آر "وان"  *١٠٣  بمحاولة التجميع والدمج والتنقـيح فتكّوَن العمل آر ﭽيه إى *١٠٤ .
    وبعد ذلك بحوالى٢٩ عام ظهرت الوثيقة دى *٨٦ حوالى عام ٦٢١ ق م فضــــــــمها مُحَرِرٍ ثانى  (أى) آر"تو" للوثيقة التى كتبها (أو) حررها المحرر السابق وهى آر ﭽيه إى*١٠٤ فنتج عن عمله الوثيقة آر"تو" ﭽيه إى دى *١٠٥ وإستقرت هذه الوثيــــقة حتى حوالى عام ٥٥٠ ق م تقريبآ وفقآ لفرضيته .
ولكن بظهور الوثيقة ﭙى *٩١  حوالى عام ٥٠٠ - ٤٥٠ ق م - بحسب تقديره – تنــــــاولها  مُحَرِرٍ ثالث "ثرى" فضم محتوياتها إلى الوثيقة التى كانت قد إسـتقرت - أى- آر"تو"ﭽيه إى دى ، فنتـج عن عمله بفضل الوثيقة بى آر"ثرى"ﭽيه إى دى ﭙى *١٠٦ تلك هى الخـطوط العامة فى نظريته، لكن محتوى كتابه السالف الذكر لم يَخلُ من إدعاءات خطيرة للغاية ، فقد كان متأثرآ بدراسات تطبيقية من تاريخ الأمة الإسرائيلية ومدى توافق هذا التاريخ مع تاريخ الديانة الإسرائيلية.
   ووِفقآ لسيطرة فكرة نظرية النشوء والأرتقاء ، التى كانت سائدة فى عصره ، وهى التى أثرت فى جعله مُتَصوِرآ أن هذا الفرض هو مبنى على فرض آخر.
فقد رأى أن الكتاب الذى تجمّع كان إنعكاسآ لفكر تلك الحقبة أو الفترة أو العصر الذى تمـت الكتابة فيه وليس العكس ، أى لم يكن الكتاب هو الذى يُشَّكل حالة الفكر والمجتمع ولكن حالة الفـكر والمجتمع هى التى تدفع الكاتب لتدوين المثل العليا التى خلُصت إليها المقادير والتاريخ والزمـن .
وهذا الفكر عَكْس وجهة نظر الكثيرين ، ومنهم نحن ، الذين نعتقد بأن التوراة تمت كتابتـها لتصحيح وتنظيم ومنْهَجَة الفكر فى المجتمع الإسرائيلى القديم . 
ومثالآ لذلك يقول " ﭭيلهاوزن " أنه فى فترة مـــا من بين الفترات كانت العبادة مركــزية ، ومعنى ذلك أن الأجزاء الواردة فى التوراة كانت تعود كتابتها إلى تلك المرحلة من التاريخ .
وكأن الوصية من وجهة نظره لم تتم كتابتها إلا لأجل إقرار أمر وارد تم حدوثه بالفعل.

فلقد كانت الذبيحة المبسطة فى جو عائلى هى مثال للعبادة فى أيام الآباء دون التَقَيُدِ بـطقوس أو فرائض أو كهنوت.   ثم تطور الأمر فصار للذبيحة طقوس تتم إجراءاتها على يد كهنة تم تعيينهم أو تخصـيصهم لهذه المهمة على مذبح خاص بعينه فى مكان  لا يستطيع الإنسان أن يغيره أو يبدله أو يلغيه وهذا التطور حدث بعد مرحلة السبى لذلك وفقآ لهذه المقدمات - وهى كلها مغلوطة – توصـل إلى النتيجة وهى : أن الأجزاء التى تتحدث عن الطقوس التى تختص بالعبادة إنما تعود لعصر ما بعد السبى .
فالموضوع من وجهة نظره هو نشوء وإرتقاء وعدم تصور وجود مبادىء كاملة مكتملة موضوعة أمام شعب يحاول على مر التاريخ أن يرتقى هو نفسه حتى يتمكن من تطبيقها، فالإرتقاء من وجهة نظرنا هو إرتقاءَ أخلاقيآ ينهض بمستوى الإنسان أما وصايا الله فكاملة فى ذاتها.والمقدمات التى سعى إليها "ﭭيلهاوزن" هى مقدمات إنتقائية ،وهذا وصف ينزع عنها صفة العلمية والمنهجية ، فقد  دلل كما سنرى ، على وجهة نظره بتقديم داود لذبيــــحة على مذبح غير الموجود فى خيمة الإجتماع ولم يكن هو من بين الكهنة المُخصَصــــين لذلك ، وكذلك قضاة قبله مارسوا مثل هذا العمل .
ولكن لم ينتقى موقف إبراهيم أمام ملكى صادق الذى كان كاهنآ لله العلى فى تكوين ١٤ .
ولا فكر فى خيمة الإجتماع وممارسة الخدمة والطقوس عليها .
ولم يضع فى حسبانه إمكانية مرور الأمة ، أى أمة ، فى مرحلة من الضـــــــعف والتباعد عن تنفيذ القوانين واللوائح والإحتكام لمنطق الفرد فى الحصول على حقوقه كما يـــراها هو وليس كما يراها 
القانون أو القاعدة الشرعية المعلنة فى البلاد .
ففى كل أمةٍ من الأمم يوجد القانون ولكن التاريخ لهذه الأمم حافل بحوادث مشـهورة عن خرق ولاة الأمم للقوانين دون عقاب ، بل فى مرات كثيرة يكون هذا الخرق للقانون بمــــــــباركة تلك الشعوب نفسها التى أنتجت القوانين التى عطلها القادة عن العمل  .
أما عن تقسيم المصادر إلى مصادر يهوية تحمل الرمز ﭽيه وإلوهية تحـــمل الرمز إى إلى آخر هذه الإفتراضات التى لم يتمكن من إفترضوها من تقديم وثيقة بين أيديــــــــهم لكل نوع فصّلوه أو لقبوه بمسمى من إختراعهم ، ولم يقوموا بإحضار ولو حتى لمجرد وثيقة واحـــــــدة من بين تلك الوثائق التى يبدو بحسب وصفهم أنها كانت متعددة وشائعة ، أو مستقرة بحــــــــسب تعبير ﭭيلهاوزن نفسه وهو لا يستطيع الإجابة مثلآ عن السؤال : ماهو موقف الأجزاء التى وردت فيها تســــمية "يهوه" و"إلوهيم" معآ ؟.
 إن اختلافهم حول ما يخص كل قسم هو دليل واضح على أن الثنائية فى التسمية ليست مبررآ كافيآ لإيجاد عملية التقسيم هذه بل نقول أبعد من ذلك بأن فكرتهم تلك لا تسـتند على  مجرد أصول البحث العلمى السليم .
وإليك بعض الأمثلة
        المثال الأول : هناك ١٧  أصحاح فى سفر التكوين بالإضافة ألى أصحاحين فى سفر الخروج  هما١ ، ٢ لم يذكر فيهم إسم " يهوه" ومع ذلك ضمهم البعض للأصــــــــــل  ﭽيه*٧٩ أى الوثيقة اليهوية (بمعنى أن هناك أجزاء خلت من ذكر التسمية يهوه ومع ذلك ضـــــموها إلى الوثيقة التى إفترضوا كونها وثيقة يهوية بلا مبرر).
 المثال الثانى : هناك ١٥ أصحاح لم يرد فيهم ذكر إسم "إلوهيم" ومع ذلك يُصَّنِفُهُــــــم البعض من نصيب الأصل إى *٧٨ أى الوثيقة الإلوهية (بمعنى عكس ما سبق فى المــــــــــثال الأول فقد وجدت أجزاء لم يذكر فيها الإسم إلوهيم ومع ذلك ضموها للوثيقة التى إفترضـــوا كونها مختصة بالأجزاء التى إحتوت على إسم إلوهيم بلا مبرر كذلك).
       المثال الثالث : لم يحدث الإختلاف حول التسمية بين "إلوهيم" و"يهوه" فى كل التــــــــوراة وإنما إقتصر ذلك على الجزء المحصور بين الأصحاح الأول والثالث من سفر التكـــوين حيث وردت هذه التسميات عشرون مرة. 
وبذلك لا يمكن إعتبار الإختلاف فى التسمية كأساس منطقى لإجراء أى عملية تقسيم لمحـــــــتويات الأسفار الخمسة.
          لكن لماذا الإختلاف فى التسمية بين "يهوه" و"إلوهيم" ؟ 
   للأجابة على هذا السؤال بلزمنا أن نشير لأن التوراة هى كتاب دينى وليست مجرد كتاب أدبى . وهذا معناه أنه لم يكن مقصودآ أو معنيآ بسرد المحتويات فيها غاية واحدة بل عدة غايات معآ يربط بينها هدف مشترك ألا وهو توصيل الفكر الإلهى وإعلانه للبشر.
وبالتأكيد على وجوب وجود فارق بين التوراة وسائر الكتب الأدبية يتضح لنا أن الإخـــــــــتلاف فى التسمية هو شىء طبيعى ، حيث توجد هناك دائمآ غاية معينة وراء كل تسمية لا تتــــــــعارض هذه الغاية مع الغاية التى يدل عليها الأسم الآخر.
وعلى سبيل المثال 
 .فى الأصحاح الثالث من سفر الخروج هناك ذكر للإسمين معآ جنبآ الى جنب 
ومنه يتضح لنا أن هناك لزوم لإنتقاء التسمية للذات الإلهية فهو يستخدم الإســـم " إلوهيم" عندما يتحدث عن إله الآباء ولكن يطلق عليه "يهوه" عندما يرغب فى إبراز دوره فى الـــعهد أو الميثاق الذى يقطعه مع شعبه كضمان للكفارة والفداء والخلاص..
  نحن نراه فى بداية الأصحاح الثالث الذى يتحدث فيه عن الله بوصفه يهوه يتحول الحديـــــث عنه  ليكون هو إلوهيم ، إذآ "يهوه" هو إلوهيم ولكن بوصفه إله العهد الذى سيقطعه مع موسى.
     وفى خروج ٣ : ٦
ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْــــهَهُ   لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ   وهنا قدم الله ذاته على أساس أنه إلوهيم  ، فهو يقدم ذاتــــه فى مرة على أساس أنه إله العهد يهوه وفى نفس الوقت الإله المعروف منذ أيام الآباء أى إلوهيم .
 فى خروج ٣ : ١١  و ١٢ 
فَقَالَ مُوسَى ِللهِ: «مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟فَقَالَ: «إِنِّي
 أَكُونُ مَعَكَ، وَهذِهِ تَكُونُ لَكَ الْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبـــُدُونَ اللهَ عَلَى هذَا الْجَبَلِ *١٠٧.  
  فها هو يقول أهيه أو يهوه إله العهد على لسان موسى  قائلآ " تعبدون " إلوهيم" على هذا لجبل .
תַּעַבְדוּן אֶת-הָאֱלֹהִיםעַל הָהָר הַזֶּה "تعبدون إت هإلوهيم عَل ههاد هذا" (الخط تحت كلمة إلوهيم ، هنا وفى النص المذكور فى تذييل الصفحة).
فى خروج ٣ : ١٥
وَقَالَ اللهُ أَيْضًا لِمُوسَى: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْــــحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هذَا اسْمِي إِلَى الأَبَدِ وَهذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ
 .وفى خروج٣  : ١٦
اِذْهَبْ وَاجْمَعْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمُ: الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيــــــــمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ظَهَرَ لِي قَائِلاً: إِنِّي قَدِ افْتَقَدْتُكُمْ وَمَا صُنِعَ بِكُمْ فِي مِصْرَ.
وفى خروج٣ : ١٨
"فَإِذَا سَمِعُوا لِقَوْلِكَ، تَدْخُلُ أَنْتَ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ وَتَقُولُـونَ لَهُ: الرَّبُّ إِلهُ الْعِبْرَانِيِّينَ الْتَقَانَا، فَالآنَ نَمْضِي سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا"
ولنلاحظ أنه يعود لتقديم الله على أساس أن إسمه"يهوه" وذلك لأنه فى هذا الحديث يتحدث عن نفسه كإله للعهد
فهو الذى أعطى موسى عهد الفداء وأرسله لقيادة شعب بنى إسرائيل". 
   لذلك كان من الواضح أنإ سم "إلوهيم" هو الصيغة العبرانية للفظ الجـــــلاله والتى سيرد حديثنا عنها فى أثناء تفسيرنا للأصحاح الأول من سفر التكوين . أما إسم "يهوه" فهو لقــب الله فى عهده مع شعبه.
  والأغرب من ذلك أن إسم "يهوه" ورد فى النصوص المنســــوبة للوثيقة المسماة  إى وان*٨١ أو بى *٩١ كما يسميها البعض.
 فلو أن الإختلاف فى التسمية هو سبب هذا الفصل بين ما يسمى أصـولآ للتوراة لكان  من المنطقى أن تعود التسمية "يهوه" للوثيقة ﭽيه *٧٩
   نفس هذا التناقض نلحظه عندما نجد بين ما نُسِبَ للوثيــــــــقة ﭽيه *٧٩ فيها بعض الأجزاء التى وردت فيها التسمية "إلوهيم" ،  ومع هذا التناقض المزدوج لا نجد لدى هؤلاء تفــسيرآ له وعلى سبيل المثال ينسبون الجزء الموجود فى سفر التكوين الأصحاح الأول للأصل إى وان *٨١   أو ﭙى *٩١   وهو " رأى الله (إلوهيم ) أن كل ما عمله حسن" ويقولون إلى هنا ينتـــهى الإقتباس من الوثيقة  ! ثم يبدأ الإقتباس من نفس الوثيقة ﭙى ، عند بداية الأصحاح الخامـس الذى يذكر فيه عقب الحديث عن نهاية كل واحد من الآباء القول ، ومات !!!!!!!!!!!!! .
  وكان معيار تقسيمهم فى هذا المثال أن هذه الأجزاء تنتمى للوثيقة التى كانت تتـحدث عن الأصول أو البدايات التى تشمل تسلسل الأنساب فى بداية الحياة على ظهر كوننا لكن هذا المعيار فاسد .
 أضف إلى ذلك ما الذى جعلهم يعلقون حكمهم المبنى على الإشتراك فى التسمية إلوهــيم فى الجزء الواقع بين الأصحاح الأول والأصحاح الخامس ؟ . 
  هل إلى هذه الدرجة بلغت الغفلة بالمحرر وهو يقتبس (بحسب وجهة نظرهـم) من وثيقة تتناقض  محتوياتها بعضها مع بعض ؟؟  تُرى ما الذى جعلالإنتقال فيها سهلآ سلــــــــسآ على هذه الصورة بحيث نجد الله يتحدث عن رأيه فى الخليقة فيستحسن ما أتت يداه ثم يعود بالـحكم بالموت على تلك الخليقة ؟؟.
إنه لا يوجد سوى مهرب واحد من هذا الــــسؤال وهو أن الوثيقة الأصلية المقترحة  والمسماة  بى كانت تحتوى على قصة السقوط التى أدت لـسريان هذا الحكم بالموت على الخليقة عندما تردت فى الخطية والعصيان وهذا ما نجده موجودآ فى الأصــــحاحات الواقعة بين الأصحاح الأول والأصحاح 
الخامس ، لكن لو كانت الوثيقة ﭙى *٩١ تحتوى على نفس الســبب فلماذا لم يأتِ به المحرر وفضل الإقتباس من الوثيقة الأخرى التى إقترحوها وهى جيه *٧٩ كما لو كان الهدف هو مجرد الترقيع لا أكثر ولا أقل .
فلو كانت الوثيقة إى وان *٨١ أو ﭙى *٩١ لا تحتوى أصلآ على قصـة السقوط والعصيان فمعنى ذلك أنها وثيقة بلا فائدة للمحرر نفسه الذى يسعى للحصـــــــــول على معلومات من الوثيقة لا أن تكون الوثيقة خالية منها ، ومن الواضح أن أمثال هؤلاء كانوا على مسـتوى عالى من الفهم والذكاء مما يدعوهم لعدم الوقوع فى مثل هذا التناقض الواضح.
هل كان الموجود فى الوثيقة 
ﭙى *٩١ أفضل من الموجود فى الوثيقة ﭽيه* ٧٩ أو الوثيقة إى *٧٨ .   ونقول ذلك لأن ما قسموه كأنصبة لكل وثيقة نرى فى داخله ما ينطــــــبق على وصفهم لمحتويات الوثيقتين الأخرتين ، بما يعنى تشابه الوثائق فى المحتوى.
 ومعنى ذلك أنه لا يوجد فرق بين تلك الوثائق أو بمعنى آخر لا توجد عدة أنواع من الــــوثائق المتعارضة ولا داعى أصلآ لافتراض الإختلاف فى الوثائق.
       وكمثال آخر نجد النص الموجود فى سفر الخروج ٣ : ٤ " فلما رأى "يهوه" (الـرب) أنه مال لينظر ناداه "إلوهيم"(الله) من وسط العليقة ...ألخ.
 تُرى أى عنت كلف به ذلك المحرر نفسه لكى يجمع الجملة الواحدة من عدة مصادر ؟ 
أن هذا الأمر لا يقبله المنطق خاصة لو أخذنا فى إعتبارنا أن نداء "إلوهيم" كان بوصـــفه الله الذى يحمل كل عناصر الإلوهية فى الكون قبل عهد الفداء ، أما رؤية موسى له فكانت رؤية لله بوصـــفه يهوه الذى شرع فى الدخول فى العهد مع شعبه .
  وهل هذا معناه أن فكرة الشعب عن إله العهد جاءت متأخرة ولذلك فالوثيقة إى*٧٨ أى الإلـوهية هى الأسبق فى الزمن ؟ ، والإجابة هى إن هذا العهد لم يكن هو العهد الأول بين الله والناس فقد كان هذا العهد مع آدم ونوح وإبراهيم وغيرهم لذلك يتحدثون عنه فى سفر التكوين كذلك بوصـــفه يهوه مع أنه إلوهيم عندما يكون الحديث عن كيانه كمصدر ومركز للكون ، فحتى ولو كان جـــــــــــدلآ لم ينادونه بهذا الإسم "يهوه" فإن موسى عندما يتحدث عنه لقومه بعد إستعلان الله له بوصــفه يهوه ، لا ضير أن يكتب التوراة لقومه باللغة والثقافة الجديدة التى تعلموها منه من خلال تســــــــمية الله باللقب الذى أعلن لهم به الله نفسه  ، فمن الممكن أن تكون الألقاب الأكثر حداثة تسمية لأشياء أكثر قِدَمآ لم تكن يطلقها الناس عليها فى ذلك الحين.
كما أن السبق فى السرد لأحداث ماضية بواسطة موسى الأحدث زمنآ لا يتبعه بالضرورة منطقيآ أنه هو الذى كان معروفآ أولآ.
لأنه ببساطة من
 الممكن أن يكون معروفآ فى الزمن الماضى بإسم آخر ، ولكن لم يتم التعبــــير عنه إلا فى زمن أكثر حداثة بتسمية جديدة ، فالعكس هو الغير مقبول منطقيآ ، أى عندما يتم كتابة الإسم الأحدث بواسطة كاتب يعيش فى الزمن الأقدم . أما سرد الأحداث المستقبلية فى الزمان الماضى فهو غير منطقى فى الأعمـــال الأدبية ولكنه مُنتَظر ومُتوَقع من كاتب للوحى ، كان من المفروض أنه يغطى كل أجيال البشرية مادام الإنســان حيآ على ظهر هذا الكوكب وهو ما لم يفهمه أويستوعبه النقاد.  
 وهكذا نرى إنهيار فكرة التقسيم بناء على تكرار السرد لقصة الخليقة كما إنهارت من قــــــبل فكرة التقسيم بناء على إختلاف تسمية الله بين "يهوه" و"إلوهيم". 
أما فكرة التقسيم بناء على إزدواجية السرد القصصى  بحسب زعمهم ،  فهى تحتاج منا لتــــفنيدها عند إعادة النظر لفحص تلك القصص التى يزعمون أنها مزدوجة.
 والمثال الذى يسوقونه فى هذا المجال هو قولهم بتكرار قصة طرد " هاجر " الأولى فى سـفر التكوين ١٦ : ٤ .فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا
والثانية فى نفس السفر فى ٢١ : ٩ وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ
 
وإقترحوا حلآ لذلك اللغز الذى خلقوه بأنفسهم لأنفسهم  أن القصة الأولى تعود للأصـــــل ﭽيه *٧٩
فيما يزعمون ،  أما القصة الثانية فهى تعود للأصل إى *٧٨ فيما يفترضون.
ولم يفطنوا للفارق الكبير بين القصتين وإختلاف الظروف والملابسات التى أدت لحدوثهما.

فالقصة الأولى لم تكن طردآ لهاجر بل هرب من مولاتها سارة وكانت أثناء فترة الحمل بإســــماعيل وهربت لموقع فيه بئر أُطلق عليه بواسطتها بئر "لحى رئى" هذا الموقع بين "قادش" و "يارد" شمالآ ، أما فى الحادثة الثانية فكانت طردآ بعد ولادة "إسحق".
  وعقب ولادة "إسماعيل" بالطبع الذى كان قد جاوز فترة الطـــــــفولة فى النمو وتاهت فى منطقة
  "بئر سبع" فى برية "فاران" جنوبآ.
من هنا يتضح لنا محاولةإ قحام الفكرة لدى هؤلاء على النص الكتابى الذى لم يترتـــــب على ما وصلوا إليه.
وكذلك إدعوا تكرار حوادث إنكار الزوجة ثلاث مرات.
 
الأولى فى سفر التكوين ١٢ :١٠- ١٣ 
وَحَدَثَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ، فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، لأَنَّ الْــــجُوعَ فِي الأَرْضِ كَانَ شَدِيدًا وَحَدَثَ لَمَّا قَرُبَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ لِسَارَايَ امْرَأَتِهِ: «إِنِّي قَدْ عَلِمْــتُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ حَـــسَنَةُ الْمَنْظَرِ. فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ الْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هذِهِ امْرَأَتُهُ. فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبـــْقُونَكِ. قُولِي إِنَّـــــــكِ أُخْتِي، لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ».
  
والثانية فى نفس السفر فى ٢٠ : ١ ، ٢  
وَانْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْضِ الْجَنُوبِ، وَسَكَنَ بَيْنَ قَادِشَ وَشُورَ، وَتَغَرَّبَ فِي جَـــــــــرَارَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ سَارَةَ امْرَأَتِهِ: «هِيَ أُخْتِي». فَأَرْسَلَ أَبِيمَالِكُ مَلِكُ جَرَارَ وَأَخَذَ سَارَةَ.
 
والثالثة فى ٢٦ : ٦ ، ٧  فَأَقَامَ إِسْحَاقُ فِي جَرَارَ وَسَأَلَهُ أَهْلُ الْمَكَانِ عَنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: «هِيَ أُخْتِي». لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَقُــــــولَ: «امْرَأَتِي» لَعَلَّ أَهْلَ الْمَكَانِ: «يَقْتُلُونَنِي مِنْ أَجْلِ رِفْقَةَ» لأَنَّهَا كَانَتْ حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ.
 
وهكذا صارت خطتهم ترمى لنسب كل قصة لأصل من الأصول التى أقترحوها أو إفترضوا وجودها فى زمن ما غير معلوم وبدون دليل مادى يثبت وجودها.
والسؤال الآن هل كانت هذه الحوادث متكررة فعلآ ؟.
إن من يدرس محتويات هذه الحوادث لا يجد فيها تكرارآ إلا فى بعض الوصف أو التــوصيف فالفرد منا يأكل عدة مرات لكن فى كل مرة يوصف عمله على أنه أكل. وعلى سبيل المثال لا الحصر فلنأخذ حوادث إنكار الزوجة ، فقد كانت حادثتان منهما تخـــــــــــصان "إبراهيم" وحادثة واحدة تخص "إسحق" وهناك إختلاف فى مكان حدوث تلك الواقعتين لإبـراهيم  فمرة كانت فى "مصر" أمام "فرعون" والمرة الأخرى كانت فى "جرار" داخل بلاد الفلســطينيين أمام "أبيمالك".
هذا هو السر الذى كشفت عنه المخطوطات على أن "أبيمالك"هو مجـــرد لقب كان يطلق على ملك الفلسطينيين وليس اسم علم لشخص معين  .
وفى نفس المكان أيضآ ولكن فى زمن آخر وقع الإبن "إسحق" فى نفس التجربة التى وقع فيــــــها والده "إبراهيم" مرتين من قبل ، ولكن كانت الملابسات والظروف والأسباب والنتائج كلها مختلفة
وعلينا ملاحظة الفروق التالية فى هذا السرد القصصى.
لقد طرد "فرعون" "إبراهيم" حيث كان "فرعون" ملكآ عظيمآ  حيث شيع "إبراهيم"  عند طرده بقواته العسكرية ، راجع سفر التكوين ١٢ : ١٩ -٢١ لِمَاذَا قُلْتَ: هِيَ أُخْتِي، حَتَّى أَخَذْتُهَا لِي لِتَكُونَ زَوْجَتِي؟ وَالآنَ هُوَذَا امْرَأَتُكَ! خُذْهَا وَاذْهَبْ! فَأَوْصـــَى عَلَيْهِ فِرْعَوْنُ رِجَالاً فَشَيَّعُوهُ وَامْرَأَتَهُ وَكُلَّ مَا كَانَ لَهُ.
 
بينما إحترم " أبيمالك "  " إبراهيم " فى الحادثة الثانية ودعاه للمكوث فى أرضه حيثما يــــــريد. راجع تكوين ٢٠ : ١٥
وَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «هُوَذَا أَرْضِي قُدَّامَكَ. اسْكُنْ فِي مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْكَ 
لقد أُخِذت "سارة" إلى بيت "أبيمالك" بينما لم تؤخذ "رفقة". 
 قارن بين تكوين ٢٠ : ٢  وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ سَارَةَ امْرَأَتِهِ: «هِيَ أُخْتِي». فَأَرْسَلَ أَبِيمَالِكُ مَلِكُ جَرَارَ وَأَخَذَ سَارَةَ 
 
بالمقارنة مع تكوين ٢٦: ٨  وَحَدَثَ إِذْ طَالَتْ لَهُ الأَيَّامُ هُنَاكَ أَنَّ أَبِيمَالِكَ مَلِكَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَشْرَفَ مِنَ الْكُوَّةِ وَنَظَرَ، وَإِذَا إِسْــــــحَاقُ يُلاَعِبُ رِفْقَةَ امْرَأَتَهُ.
لقد دعا " أبيمالك " إبراهيم " للبقاء بينما طرد "إسحق" بعد حدوث هذه الواقعة.
 قارن تكوين٢٠ : ١٥
 وَقَالَ أَبِيمَالِكُ: "هُوَذَا أَرْضِي قُدَّامَكَ. اسْكُنْ فِي مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْكَ"
 
بالمقارنة مع تكوين ٢٦: ٨  
وَقَالَ أَبِيمَالِكُ لإِسْحَاقَ:"اذْهَبْ مِنْ عِنْدِنَا لأَنَّكَ صِرْتَ أَقْوَى مِنَّا جِدًّا"
لقد كان السبب الذى طَرَدَ "أبيمالك" "إسحق" لأجله من "جرار" يختلف عن الســـبب الذى لأجله طُرِدَ "إبراهبم" من "مصر" .
 راجع تكوين ٢٠ : ١٥
 
وَقَالَ أَبِيمَالِكُ: "هُوَذَا أَرْضِي قُدَّامَكَ. اسْكُنْ فِي مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْكَ"
بالمقارنة مع تكوين ٢٦: ١٦ وَقَالَ أَبِيمَالِكُ لإِسْحَاقَ: "اذْهَبْ مِنْ عِنْدِنَا لأَنَّكَ صِرْتَ أَقْوَى مِنَّا جِدًّا"
إلى آخر هذه الإختلافات التى يتمكن الباحث المنصف من رؤيتها بوضوح، مما يســتحيل  معه حتى مجرد الظن بأن نكون كل تلك الحوادثإ نعكاسآ قصصيآ لحادثة واحدة كما زعم هؤلاء. 
ومما يؤيد أكثر إمكانية وجود هذه الحوادث كما هى ضمن المحتويات التى يشملها أصــلآ واحدآ ما
إتبعه هؤلاء النقاد بأنفسهم حينما جعلوا فى الأصل ﭽيه *٧٩  حادثتى إنكار الزوجــة المذكورَين فى سفر التكوين١٢ ،٢٦ .
وبذلك ردوا على أنفسهم فليس مجرد تكرار الحوادث مبررآ لإيجاد عملية التقسيم هذه.
وفى تعقيبنا على ذلك نقول أن طبيعة شخصية "إبراهيم" تترك ببصماتها الواضحة فى أثناء السرد القصصى لأحداثه بما يميز بينها وبين السرد القصصى للحوادث التى حدثت لإسحق.
فقد كان إنكار الزوجة بواسطة "إبراهيم" هدفه "سياسيآ" وهو إيجاد صيغة للتعايــــــــش السلمى بينه وبين تلك الشعوب الغريبة.
 أما هدف "إسحق" فقد كان "إقتصاديآ" بهدف الحصول على حاجته الإقتصـــــادية من الطعام فى زمن الجوع.
لقد وصل خيال أولئك النقاد لتصور أن كتابآ مثل التوراة يمكن أن يضيفإ ليــــهِ كُلُ من هبَّ ودبَّ ما يراه -  على مر التاريخ اليهودى - ونسوا أن الذين إفترضوا أنهم قد قاموا بذلك العمل كانــــــوا من أشد الناس تمسكآ بحرفية الوحى وصونآ لقداسته.
 فالكتاب المقدس كله يشهد للتوراة بأن موسى هو كاتبها ومضمونها يشهد كذلك بهذا الأمر راجـــع خروج ١٧ : ١٤ فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ هذَا تَذْكَارًا فِي الْكِتَابِ، وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يَشُوعَ. فَإِنِّي سَــوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ.
، خروج  ٢٤  : ٤ – ٨   فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحــًا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمُودًا لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ، وَذَبَحـــُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ الثِّيرَانِ فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ الدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي الطُّسُوسِ. وَنِصْفَ الدَّمِ رَشَّهُ عَـــــــلَى الْمَذْبَحِ وَأَخَذَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ وَأَخــــــــــَذَ مُوسَى الدَّمَ وَرَشَّ عَلَى الشَّعْبِ وَقَالَ: «هُوَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هذِهِ الأَقْوَالِ
، خروج٣٤ : ٢٧   وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَطَعـــْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ.
 
 ، سفر العدد٣٣  : ١ ، ٢ هذِهِ رِحْلاَتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِجُنُودِهِمْ عَنْ يَدِ مُوسَى وَهَارُونَ وَكَتَــــــــبَ مُوسَى مَخَارِجَهُمْ بِرِحْلاَتِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. وَهذِهِ رِحْلاَتُهُمْ بِمَخَارِجِهِمْ.
 
والتثنية ٣١ : ٩
 
وَكَتَبَ مُوسَى هذِهِ التَّوْرَاةَ وَسَلَّمَهَا لِلْكَهَنَةِ بَنِي لاَوِي حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ، وَلِجَمِـــــــــيعِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ .
إلى جانب الشهادة الداخلية فى التوراة ذاتها من واقع أسلوب الحديث و استخدام ضـــــــمير المتكلم إن "كارلستادت" مثلآ ، رغم أنه من بين النقاد إلا أنه قد عرف وميز وحدة الإســــلوب فى التوراة فهو يشهد بذلك معنا بأنه لو كان المتكلم هو "موسى" فالتوراة لم يكتبها سواه أو غيره.
فالوحدة الداخلية فى التوراة ذاتها لا يمكن تصور إرجاعها لعدة فصول أو اصول، فهــــــذا الأمر لو ناقشناه أدبيآ لثبت لنا بطلان عكسه بالنسبة لأى كتاب أدبى عادى ، فكم بالحرى تكون التــوراة التى هى كتاب يمثل وحيآ إلهيآ فوق كل مقاييس النقد الأدبى الإنسانى ...؟. 
 وفى محاولة منا لتتبع فكر ولهاوزن ذلك الرجل الذى لم يكترث بالوحى ، ولم يســـــتكثرعلى نفسه قيامه بالنقد أو الهجوم على المقدسات  المدونة فى التوراة ، تُرى ما الذى دفعه للظـــــن بأن تاريخ كتابة أسفار ألأنبياء كان فى فترة متأخرة ؟؟.
الواقع أن الذى دفعه لذلك كان مجرد ملاحظته لأحوال الشعب الأسرائيلى الدينية فى مخـــتلف العصور ، وفسر عدم تطابق تصرفاتهم مع ما هو مدون فى الوحى بإنعدام وجود تلك الوصايا أصلآ فى هذه الفترات تحت أيديهم ، وهذا الإفتراض عشوائى غير علمى ، ففى كل عـصر منالعصور يوجد فيه القانون ولكن يوجد فى نفس الوقت غير الطائعين له ، بل قد يصل الأمــــــــر فى بعض الأحيان لوجود حالة من العصيان الإجتماعى على القانون كما كان يفعل بنو إسرائـــــــيل من وقت لآخر.
فعندما كان الشعب لا يحفلون بوحدانية الله ، ظن هو أن الناموس الذى كان موجــــــودآ أيامهم غير متضمن لهذه الوحدانية.
وعندما وجدهم يعبدون الله حيث يريدون دون التقيد بمكان مركزى للعـــــــــبادة ،  ظن بأن مركزية العبادة لم تكن موجودة فى الناموس الموجد بين أيديهم فى ذلك الحين.
فهل هذا المنطق صحيح ؟؟؟
ما الذى يمنع وجود الناموس الذى يحتوى على كل هذه الأشياء ، لكنه لم يكن يجد إستجابة مناسبة من الشعب لهذه الأوامر ،  وأن إستجابتهم قد حلت على التوالى لهذه الأوامر على مر فترة تاريخية كافية لإيجاد هذا التحول فى سلوك الشعب ؟؟
فلقد كانوا فى مصر حيث العبادة الوثنية ، والناموس يدفعهم لعبادة الإله الواحد فهل كان هذا ممكنآ
أن يتم دفعة واحدة ؟؟؟
 ثم أين هو العصر الذى فيه أطاع أى شعب من الشعوب نواهى الدين بلا أستثناء ؟؟.
لو كانت الطاعة تأتى تلقائيآ بهذه الصورة التى تخيلها "ﭭيلهاوزن" ما كانت هناك الحاجة أصــــــلآ لإيجاد ناموس مكتوب ما دام الإنسان قابل بطبيعته للإمتثال فورآ لإرادة الله فور إعلانها.
والثغرة الأخرى فى فكر "ﭭيلهاوزن"هى إنكاره للقيمة التاريخية لحوادث التوراة ومع ذلك يستشهد بها ، وفى إستشهاده دليل على ثقته فى مصداقيتها ، مما يبطل مزاعمه بخصــــــوص بطلان القيمة التاريخية.
 فإذا كان المُدوَن فى التوراة باطل ليست فيه قيمة تاريخية ، فكل ما ذهب اليه وأســــنده من تاريخ  لدليل من التوراة فهو باطل كذلك ، وإلا تكون التوراة صحيحة وما ذهب إليه هو عدم فـــــــــهم لهذا الصحيح الذى هو مرجع للمعلومات الصادقة.
لقد اضطلع الكثير من العلماء بمهمة الرد على الفساد المنطقى الذى تردى فيه "ولـــهاوزن" ولعل القارىء يمكنه الرجوع إلى كتابات لهؤلاء مثل "باكستر" *١٠٨ ، "جرين" *١٠٩ ،و"ـــــوس" *١١٠ ومللر *١١١  وأليز *١١٢ لكى يطالع فكرهؤلاء الرجال الذين تمكنوا من النجاح فى مهــمتهم ببراعة تامة ، وسوف نحاول تلخيص هذه الإتجاهات المُخْلِــصة فى الدفاع عن حرمة التوراة ، إلى جانب ما شاب آراء بعض هؤلاء من إتجاهات أخرى حديثة خفية لنقدها كذلك.
يتحدث"ﭭيلهاوزن" كذلك عن مفهوم بنى إسرائيل عن الله، وكيف تطور هذا المفهوم فى مراحــــــل مختلفة متعاقبة وفقآ لنظرية النشوء والأرتقاء ، فيرى أن ذلك التطور فى مفهوم الشـــعب عن الله ، قد تم بثلاث مراحل هى :- 


الصورة أعلاه هى لمخطوط يحتوى على التوراة أستخدم فى أسبانيا لمدة ٣٠٠  سنة قبل محاكم التفتيش فى أسبانيا عام ١٤٩٢ م ميلادية
  أولآ مرحلة الأنيميزم *١١٣ 
وهذا المصطلح مأخوذ من نظرية لتايلور *١١٤من كتابه بالإنجليزية المسمى "الثقافة الـــبدائية" ولقد تحدث فيه عن الديانة التى ظهرت فى العصور البدائية ببساطة ، من خلال إدراك الحواس لهذا الوجود،  والأنيميزم تعنى ببساطة مميزات الفكر فى هذه الفترة ، حيث يميزها  الإعــــتقاد بوجود روحى منفصل وهو الذى يمثل جوهر الفكر الدينى .
ولقد أثرى عالم آخر دراسة هذه الفكرة فاعتبر أن فكر الأنيميزم يعبر أيضآ عن الأسـس الحيوية الفعالة فى الكون والتى تتوافق مع الأحاسيس الباطنية الموجودة لدى البشر وهذا العـالِم هو "إستاهيل" *١١٥ .
أما "ﭭيلهاوزن" فهو يستخدم هذه التعبيرات ليوظفها لتكوين منظومـــــــة فكرية أخرى فأنشأ منها تصورآ بمرور الفكر البشرى عبر عدة مراحل فيرى أن مرحلة الأنيميزم تـــواكب مرحلة البوليثيزم *١١٦ .
ومعنى البوليثيزم 
 : أنها المرحلة التى كانت تتعدد فيها الآلهة والتى كانــــت موجودة أيام الآباء أما المرحلة التى تلتها،  فقد تصور البشر بعد فترة طويلة من الإعتقاد بالتـــعددية أن أحد الآلهة قد نال حظوة ما على سائر الآلهة فصار أسمى منها ، وهذا يفسر الإعتقاد بتــــسامى الله فوق شعبه وفوق سائر الآلهة تلك المرحلة أسماها الهينوثيزم  *١١٧ .وهى فى الأصل كونها من خلال مقطعين من اللغة اليونانية هــــــما : "هايــــــس"*١١٨  أى أعلى و"ثيؤس"*١١٩أى الله .
 ويرى ﭭيلهاوزن أن الأمة الأسرائيلية قد وصلت الى هذه المرحلة أيام موسى ، أما المرحـلة الثالثة والأخيرة فقد كانت هى مرحلة المونوثيزم أى مرحلة وحدانية الإلوهة*١٢٠  .  
 
 ولقد بدأت هذه المرحلة بحسب حساباته وتصوره ،  بعد ثمانية قرون من نشـــــــأة فكرة الإلوهة وكان ذلك أيام كتابة الأجزاء الأخيرة المنسوبة لإشعياء وبالتحديد فى الأصحاح الستــــــــين بحسب وجهة نظره ، حيث ساد الإعتقاد بأن الله هو الرب القادر الممجد.
        أما السبب الذى أوجده ﭭيلهاوزن لهذا التطور فقد كان من منطلق مفهومه الخـــــــــــاص عن أساس تاريخ بنى إسرائيل القديم ، فلم يكن الناموس هو أساس ذلك التاريخ كما نرى نـــحن ، وإنما كان تسجيلآ مجردآ لمجريات الأحداث فى المجتمع ، والتى تشمل التقاليد والأحداث التاريخية ، التى كان لها أثرها الخاص فى ترسيب عدة أفكار ، كان من شأنها أن دفعت عجلة النمو والتـــــــطور فى فكر الديانة الأسرائيلية فقد رأى ﭭيلهاوزن أن كثير من النبوات لم تكن تعتمد على كتب الناموس فى صورته المستقرة التى نراه عليها الآن ، ومعنى ذلك من وجهة نظره أن هذه النــــــبوات كتبت قبل إستقرار الناموس ، ولأن هؤلاء الأنبياء يُفترَض مجيئهم بعد موسى فإنه يلزم عن ذلـــك أن تكون هذه التوراة المكتوبة بعد عصر الأنبياء ، وبالتالى بعد عصر موسى ، ويعبر ﭭيلهاوزن عن قـناعته بفكره بالقول إنه من الصعب عليه من خبرته الخاصة فى مطالعة العهد القديم أن يعــــــــــتقد  بأن الناموس كان أقدم من هؤلاء الأنبياء .
ولكى نفهم فكر ﭭيلهاوزن أكثر فلنطالع مثالآ آخر يسوقه لنا عن تطور مفهوم العبادة حيث يتضــــح فى العهد الجديد أنه قد كان هناك إستقرار على تحديد مكان مركزى للعبادة، وهذا واضح من وجـود النزاع بين اليهود والسامريين فى هذا الشأن ، مما يوضــح وجود فكرة وجوب تحديد مكان مركزى للعبادة. 
      ولكن بمطالعة العهد القديم نجد أن هذه الفكرة ، التى يزعم وجودها ، لم تكن موجودة فى الفكر اليهودى فى إسرائيل القديمة .
 ونعود لإطروحته حيث يقول : قبل بناء الهيكل لم يكن هناك مذبح واحد بل عدة مذابـح فى أرض 
إسرائيل ، وبحسب وجهة نظره ، كانت فكرة المذبح مأخوذة من عبادة الكنعانيين وأن هـــذه الفكرة فد تسربت اليهم عند دخولهم لأرض فلسطين ، فقد كانوا يذبحون كما كان يذبح الكنــــــعانيون على المرتفعات ، والدليل على ذلك أنه بعد حرب مخماش كان شاول يدشن مذبحآ ويســــــتشهد بما ورد فى صموئيل الأول ١٤عدد٣٣
 فَأَخْبَرُوا شَاوُلَ قَائِلِينَ: «هُوَذَا الشَّعْبُ يُخْطِئُ إِلَى الرَّبِّ بِأَكْلِهِ عَلَى الدَّمِ». فَقَالَ: «قَدْ غَدَرْتُمْ. دَحْرِجُوا إِلَيَّ الآنَ حَجَرًا كَبِيرًا .
كما دشن داود كذلك مذبحآ فيما بعد صموئيل الثانى٢٤عدد٢٥
وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَاسْتَـــــــجَابَ الرَّبُّ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ، فَكَفَّتِ الضَّرْبَةُ عَنْ إِسْرَائِيلَ.
  وكذلك فعل"سليمان"عند تدشين الهيكل ثم بدأت فكرة العبادة المركزية كبذرة سرعان ما تهيأ لها الجو الملائم لنموها فيما بعد أثناء السبى
.
        لذلك يرى "ولهاوزن" أن كتاب الملوك يعــــــكس لنا صورة مزيفة من خلال النصوص التى تحكم على تلك العبادة الحرة بالبطلان والنقد ، ذلك لأن هذا الـــــــــحكم يعود لفترة متأخرة بعد بناء الهيكل ، بل وبعد السبى كذلك.
        فمع سقوط السامرة بدأ التغير يحدث فى ظهور النقد للطقوس المخــــــــتلفة التى تُجرَى على المذابح المتعددة أولآ، قبل ظهور النقد على تعدد المذابح فيما بعد، وحتى أيام عاموس وهوشع كان الوضع كذلك، ولكن بدأ النقد لهذا التعدد بعد سقوط السامرة ، حيث صارت اليــــــــهودية هى الحقل المفتوح للعبادة الحقيقية ، وبذلك تبوأت أوروشليم هذه الصدارة فى مــركزية العبادة فاجتذبت اليها الأنظار ، ولا سيما بعد ترك سنحاريب لأوروشليم.
وبذلك يُنكِرُ "ﭭيلهاوزن" حتى القيمة التاريخية للقصص الواردة بالتوراة ، ومع ذلك يســـــــــتشهد بالحوادث المذكورة فيها لإثبات وحهة نظره ، فهو يستشهد بحرية إيجاد مكان لبناء المـــــذبح أيام الآباء بالرغم من إنكاره لفكرة إنشاء خيمة الإجتماع كسابقة تاريخية أقدم عهدآ من إنشاء الـهيكل.
         ولقد كان فى إنكاره هذا، عاملآ من العوامل التى نقضت نظريته ، ذلك لأن إنشاء خيــــــــمة الإجتماع قبل الهيكل ، أمر منطقى وثابت وصحيح ،فمن غير المنطقى تصور إنشاء خيمة للإجتماع مؤقتة يتم حلها وتركيبها حيثما يحل الشعب وفى وسطهم الله ، بعد وجود هيكل ثابت الموقع وعظيم وفخم فى إنشائه ، مما يهدم أسلوبه الملتوى فى الإستشهاد بطريقته الخاصة لفهم مــــــــــــــــعانى النصوص التى إختارها ، لإثبات وجهة نظره ، كما كان إعتماده على تلك النصوص التى ســبق أن استبعد صدقها التاريخى، من بين جملة الأدلة القوية التى أثبتت بطلان منطقه الفكرى ، وأكـــــــدت زيف استدلالاته ، فلقد كان واضحآ كل الوضوح أن الفكرة الرئيسية التى كانت تحركه ، لم تكن هـى السعى للحصول على المعرفة الصحيحة ، ولكنها كانت مجرد سعى لأثبات نظرية التـــــــــطور، تلك النظرية التى أفسح لها المجال فى مفهومه عن طبيعة الذبيحة والأعياد المقدسة ، وشريعــة الكهنة واللاويين ، إلى آخر باقى الأمثلة التى أوردها ولهاوزن ، على نفس المثالين الذين ذكرناهـــما عنه ، فكل شىء كان عنده لا بد أن يوجد له مراحل للتطور ، ولم يكن قادرآ على تصور أمرآ إلهيآ جامعآ فى زمن واحد للعديد من المظاهر التى تخيلها.

         ومع ذلك ظل تأثير فكر"ﭭيلهاوزن" يتمتع بنفوذ غير مباشر، فى فكر بعض العلماء اليوم ، بالرغم من تحطيم نظرية"ﭭيلهاوزن"ذاتها حيث صارت بلا قيمة ،ولا سيما بعد الإكتـشافات الأثرية الحديثة ، التى أكدت بما لا يدع مجالآ للشك إستحالة صدق احتمالات وفرضـــــــــيات "ﭭيلهاوزن" ومقدمات نظريته ، أضف الى ذلك ثبوت صدق أفكار التوراة واتساقها كتعاليم وأحداث معاصـــــــرة للزمان الذى كانت تُعَبِرُ عنه ، بشهادة ما أثبتته الأكتشافات الأثرية الحديثة ، فكانـــــــــت محتوياتها متسقة تمامآ مع عصر "موسى" ، ثم ظهرت المناهج الحديثة للعلم والتى صـــارت مقاييسها تقطع ببطلان نسق وأسلوب بحث "ﭭيلهاوزن" مما يهدم نظريته من أساسها. 
مرحلة ما بعد ﭭيلهاوزن حتى القرن العشرين

ولم يصمت النقاد الهادمون بعد انهيار فكر عملاق النقد الخطير"ﭭيلهاوزن" ، بل ظهر أكثر من خط جديد  لنقد التوراة وتعددت مدارس النقد على أنقاض الفكر المنهـــــــدم تخبط فيه العديد من العلماء وسط باقة من الآراء المتعارضة التى تصدر من كل واحد منهم تِباعآ .
 أما "رودلف سيمند" *١٢١ فقد عاد ينبش فى حطام الفكر الهدّام عام ١٩١٢م لــــشخص آخر هو "كارل أوتو" *١٢٢ عام١٨٨٣م.
فيعود لإحياء نظريته بخصوص المصادر التى سبق أوتو أن أقّرها حيث قسم المــصدر إى *٧٨ إلىقسمين كما أنه أضاف على نظرية سابقه أو سلفه بأن المصـــــدرين ﭙى*٩١ ودى *٨٦ قد إستهدفا للعديد من الإضافات وبذلك كانت وجهة نظر"سمـــــيند"هى تقـسيم المصدر ﭽيه*٧٩ إلى مصدرين هما ﭽيه*١٢٧   وان ، وﭽيه تو *١٢٨ .
 
ولم يلبث أن تلقف هذه الفكرة عنه شخص آخر هو"أوتو أيسفيلدت *١٢٣" فإقـــــــــــــترح أصلآ مصدريآ توهمه وأطلق عليه مصطلح  "المصدر الوضعى"  أى لاى سورس *١٢٥ورمز له بــأول حـرف من حروف التسمية التى أطلقها عليه ، وهو الحرف الأبجدى فى اللغة الإنجليزية إل *١٢٤ .
كان يرى أن هذا المصدر كان موجودآ - وبالطبع لم يخبرنا بمكان تواجده أو زمانه  ‎-ثم تولى المحررون تناوله وإجراء عمليات تنقيح له عبر قرون طويلة إعتمادآ على مصادر أخـرى لعل منها على سبيل المثال ﭽيه تو*١٢٧ .
ثم جاء "مورجانسترنز"*١٢٩ ليضيف إلى هذه التوليفة من الأقســـــــــــام قسمآ آخر كان يرى أنه يحتوى على الرأى الموسوى الخاص بشأن الممارسات القريبة الشبه بالطقـــــوس الكنعانية ولذلك رمز له بالحرف الأبجدى كيه *١٣٠ ،  وهو يظن أن هذا المصـدر تنتمى له كل الأحاديث التى أثارت الجدل حول أوجه الشبه والإختلاف بين الفكر الموســــــوى وفكر الديانات الأخرى التى كانت سائدة بين الشعوب التى عاشت فى الأراضى المقدسة *١٣١ .
أما "فيفر"*١٣٢ فهو يقترح وجود أصل آخر وهو أصل من الأصول الخاصة بسكان الجنـوب فى أيام المملكة الإسرائيلية أى منطقة يهوذا بعد إنقسام المملكة وهو يُعَّبِّر عنهم أثناء عيشهم تحت لواء مملكة يهوذا من وجهة نظره .
ومن هنا نستطيع تفهم وجهة نظره بخصوص زمان كتابة التوراة أو تحريرها أو تجميعها أو تنقيحها أيآ كانت التعبيرات المفضلة لديه لأنه فى الواقع إستخدمها جميعآ ، وبالطبع رمز لهذا الأصل المُفتَرَض وجوده بالحرف الأبجدى الإنجليزى إس *١٦٠ وهو أول حرف فى الكلمة الإنجليزية التى تعنى جنوب أى "ساوث" وقد تصور أنها كانت تضم معظم ما تصور "أيـسفيلدت" أن تكون قد ضَمَّت مَا أسماه بالأصل  إل *١٢٤  راجع تقييم نظريته فى "زاو" *١٣٣ .
ولعله من الطريف أن نعلن أن أحد هؤلاء النقاد واسمه "بنـــــــــتاش" *١٣٤ لم يكتفِ  بمقترحات سابقيه ، وإقتراحاتهم بتعدد الأصول ، لكنه أزاد على ذلك بإقتراح أو فرض أن يكون الأصـــــــل ﭙى *٩١ منقسمآ إلى سبعة أقسام وذلك فى كتابه عن سفر اللاويين عام ١٩٠٠ م. 
كل هؤلاء النقاد لم يفطنوا إلى ما يخبئه لهم القدر لتصحيح ضلال فكرهم من خلال الأبحـاث الأثرية الحديثة ـ ثم ردود العلماء المحدثون.
 ونحن نذكر على سبيل المثال لا الحصر أحد هؤلاء واسمه "سيمبسون" *١٣٥  فى كـــــتابه الذى حلل فيه الميول النقدية التى تتجه لتقسيم التوراة لأصول مختلفة فى كتابه "التقليد المنكر لإسرائيل تحليل نقدى لرواية أو إسطورة الأسفار الست السابقة على سفر التثنية" عام ١٩٤٨م  *١٣٦.
فلقد استهدف التثنية لكثير من الأبحاث فهناك من أرجع مصدرها لجنوب إســــرائيل وهناك من قال بأنها كُتِبَت بعد السبى أو أثناءه إلى آخر تلك المقولات.
وفى عام١٩٢٥ م قال*١٣٧ "موللر" فى مَعرِضِ حديث له عن فكرة كتابة موسى للتوراة ، لتأييد فكرة أن سفر التثنية هو إنعكاس كامل وصحيح لما جاء فى الكتب الأربعة الأولى من التوراة ، وأن سفر التثنية لا يمكن أن يعكس صورة أكثر حداثة من هذه الأسفار كما يدَّعى النقاد.
وفى عام ١٩٦٣م قال "كلاين"*١٣٨ .
 إن بناء التوراة يعكس صورة لمجادلة أحد الأمراء الحثيـــــــــين وهو بذلك يبرهن على أن التوراة تعكس تلك الخلفية التاريخية لفترة كتابتها مما يدفع للأعتقاد بأن هذا الكتاب يعود لعصر "موسى" .
   وسوف نورد بالتفصيل المدارس التى تولت عملية الرد على أولئك النقاد  ،بعد الرد المباشر على ما سبق وذكرناه عنهم من آراء لهم ، وبعد ذلك بكون حديثنا عن الأبحاث الأثرية التى تمدنا بالأدلة المادية على خيالية تلك الفروض المفرطة فى التصور
   وهكذا نجد أن المسيحية لم تحجر على رأى أحد حتى ولو كان هذا الرأى يحـــــــــــاول أن ينسف التوراة وحتى لو كان ما قاموا بتقديمه يمكن استغلاله بواسطة أعداء الفكر المســــيحى الذين دأبوا على اقتطاف ما يروق لهم دون الخوض فى فهم جذور تلك النظريات الهدامة التى انهــــــــدمت من تلقاء ذاتها عند مناقشة مقدماتها حتى أن تلك المقولات صارت اليوم واضحة الخلو تمامآ مــــن أى توصيف علمى دون إرهاب فكرى أو إتهام بالزندقة أو الإباحة لدم أحد كما تفعل المبــــــــادىء التى تخشى من سلطان فكر المهاجمين ، بل بالعكس نشكر لهؤلاء العلماء جهدهم المشكور فقد حــاولوا الوصول للحقيقة جاهدين رغم أن المعلومات التى كانت متوافرة لهؤلاء العلماء فى عصرهم لم تكن تسعفهم لأدراك الحقيقة كما صرنا نراها اليوم فى ظل التقدم العلمى والتقنى وظهور الأبحاث الأثرية وأجهزة قياس الأشعة الكونية مع تقدم علوم أصول اللغات وتاريخها وانتهاء صــــــــولة فكر بعض المدارس الفلسفية التى ثبت زيفها والتى كانت تمد آراء هؤلاء بالشكل العلمى الذى كــانت عليه فى زمنهم.
د.ق.جوزيف المنشاوى 
 --------------------
 
*٧٨   E
 ٧٩
 *J
 
E1,E *٨١ *٨٦ D
*٩١  P
*٩٩ A.Kuenen
*١٠٠  Jullius Van Wellhausen
*١٠١  Die Komposition des Hexateuchs
*١٠٢  Hexateuch
 *١٠٣ R  
*١٠٤ RJE 
* ١٠٥RJED 2  
*١٠٦  RJEDP   
*١٠٧
 וַיֹּאמֶר מֹשֶׁה, אֶל-הָאֱלֹהִים,هاإلوهيمמִי אָנֹכִי, כִּי אֵלֵךְ אֶל-פַּרְעֹה; וְכִי אוֹצִיא אֶת-בְּנֵי יִשְׂרָאֵל, מִמִּצְרָיִם
 
וַיֹּאמֶר, כִּי-אֶהְיֶה أهيهעִמָּךְ, וְזֶה-לְּךָ הָאוֹת, כִּי אָנֹכִי שְׁלַחְתִּיךָ:  בְּהוֹצִיאֲךָ אֶת-הָעָם, מִמִּצְרַיִם, תַּעַבְדוּן אֶת-הָאֱלֹהִים,هاإلوهيم עַל הָהָר הַזֶּה *١٠٨ * William Henry Green "
   W . L . Baxter *١٠٩    
*١١٠  Greehardus Vos 
*١١١  Willhelm Moller -
 *١١٢  The  Late Oswald Allis
 *١١٣  Animism
 F.B.Tylor, The Primative Culture *١١٤
 *١١٥  Stahl
*١١٦  Polythism
Henothism *
١١٧  Αις ,*١١٨
 Θεος*
١١٩ 
 Monothism *١٢٠
  *١٢١  Rudolf Smend 
*١٢٢ -----------------      Karl Otto 
  Otto Eisffeldt *١٢٣
L  *١٢٤   
  Lay - source *١٢٥
 *١٢٧---------------J1
*١٢٨J2
Julian Morgensterns *١٢٩
*١٣٠K  ١٣١   , see also ,  HUCA,IV,1927
١٣٢  R.H.Pfeiffer

   ZAW,XLVIII,1930,pp 66 -73  *١٣٣
B.Baentsch *١٣٤
C.A.Simpson*١٣٥
 The Early Traditions of Israel., a Critical Analysis of the Pre- Deuteronomic Narrative of Hexateuch,1948   *١٣٦
G,KlineMoller *١٣٧

*١٣٨   Meredith*١٦٠S

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق